تشير الدراسات والأبحاث الاقتصادية إلى أن الدول غالباً ما تلجأ إلى سياسة حذف الأصفار من العملة للخروج من أزمات اقتصادية، وكانت إيران أحدث مثال يعتزم تنفيذ هذه الخطوة، لتنضم إلى دول أخرى مثل فنزويلا، تركيا، الأرجنتين، والبرازيل.
عملية حذف الأصفار تعني استبدال العملة القديمة بأخرى جديدة تقل قيمتها عن السابقة بعدد محدد من الأصفار. فعلى سبيل المثال، عند حذف 6 أصفار، فإن كل مليون من العملة القديمة يصبح وحدة واحدة فقط من العملة الجديدة.
دوافع حذف الأصفار
هناك عدة أسباب تدفع الحكومات لاتخاذ قرار حذف الأصفار من عملتها، وتتلخص في خمسة دوافع رئيسية:
الحصول على الائتمان الدولي.
استعادة الثقة بالنظام المالي.
السيطرة على سوق العملات.
تقليل الضغوط التضخمية.
الحد من استبدال العملة بعملات أجنبية.
تجربة تركيا مع حذف الأصفار
في ظل تقلبات اقتصادية حادة أبرزها التضخم المفرط الذي يضعف القدرة الشرائية للمواطنين ويقلص قيمة العملة المحلية، يثار التساؤل حول جدوى إعادة تجربة تركيا مع حذف الأصفار. وكانت تركيا قد لجأت إلى هذه السياسة في تسعينيات القرن الماضي لمواجهة أزمة اقتصادية مشابهة، ونجحت آنذاك في تحقيق بعض الاستقرار النقدي.
لكن السؤال المطروح: هل يمكن اعتبار هذه الخطوة حلاً مجدياً للأزمات الحالية، أم أن هناك بدائل أكثر فعالية؟
معدلات التضخم وتحديات العملة
وفقاً للمعهد الإحصائي التركي، تباطأ معدل التضخم السنوي في أكتوبر الماضي إلى 48.6% مقارنة بـ49.4% في سبتمبر، بينما بلغ التضخم الشهري 2.88%.
رفع البنك المركزي التركي توقعاته للتضخم في العام الجاري إلى 44% مقارنة بـ38% في توقعات سابقة، متوقعاً ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بنسبة 21% بحلول نهاية 2025، مقارنة بـ14% في التوقعات السابقة.
صرّح محافظ البنك المركزي، فاتح كاراهان، بأن "اتجاه التضخم الكامن يتحسن لكن بشكل أبطأ من المتوقع".
على الرغم من هذه التوقعات، يبقى سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية في ارتفاع مستمر منذ سنوات، حيث ارتفع من مستوى 1.1 في عام 2008 إلى أكثر من 30 ليرة حالياً.
الحاجة إلى طباعة فئات نقدية أكبر
فقدت أكبر فئات العملة قيمتها الشرائية، حيث تُعتبر الفئة الأعلى، وهي 200 ليرة (5.80 دولار)، غير كافية لتغطية حتى النفقات اليومية. ووفقاً لتقرير نشرته "بلومبرغ"، يواجه المسؤولون الأتراك دعوات متزايدة لطباعة فئات نقدية أكبر، لكن حتى الآن لم يُتخذ قرار في هذا الشأن.
مشكلات هيكلية في الاقتصاد
طارق الرفاعي، الرئيس التنفيذي لمركز "كروم للدراسات الاستراتيجية"، أشار إلى أن أزمة الليرة التركية تعكس مشكلات هيكلية في الاقتصاد.وأوضح أن الاعتماد المفرط على الاقتراض الخارجي بالدولار واليورو لتمويل مشاريع ضخمة زاد من أعباء الديون، مما وضع البنوك والشركات التركية تحت ضغوط هائلة.
حذف الأصفار.. حل نفسي أم جذري؟
يرى الرفاعي أن حذف الأصفار يظل حلاً نفسياً أكثر من كونه جذرياً. وأكد أن المشكلات الأساسية تتعلق بالبنية الاقتصادية والسياسات العامة للحكومة، داعياً إلى وضع سياسات اقتصادية واضحة تدعم العملة المحلية.
حذف الأصفار وتكاليف طباعة النقود
من جانبه، أوضح الدكتور عماد الدين المصبح، أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي، أن الحكومة التركية لم تصل بعد إلى مرحلة تتطلب حذف الأصفار، مشيراً إلى أن هذا الإجراء يصبح ضرورياً عندما يصل التضخم إلى 100% على الأقل لمدة خمس سنوات متتالية.
وأشار إلى أن حذف الأصفار قد يكون مفيداً إذا ارتفع التضخم إلى مستويات غير قابلة للتحكم، لكنه يتطلب خطوات تنظيمية مسبقة لضمان نجاح العملية.
وبالنهاية بينما يمكن لحذف الأصفار تخفيف بعض الأعباء العملية والمالية على المدى القصير، فإنه لا يُعد حلاً جذرياً للأزمات الاقتصادية. تحتاج تركيا إلى معالجة المشكلات الهيكلية في اقتصادها واعتماد سياسات مالية ونقدية متماسكة لضمان استقرار العملة وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.