أخبار عاجلة

كتاب يستحضر تفكير عزيز بلال في التخلف والتنمية والصحراء المغربية

كتاب يستحضر تفكير عزيز بلال في التخلف والتنمية والصحراء المغربية
كتاب يستحضر تفكير عزيز بلال في التخلف والتنمية والصحراء المغربية

عدد خاص من منشورِ “الملتقى” يعيد نشر مقالات عزيز بلال، الاقتصادي والسياسي والجامعيّ المغربي الراحل منذ ما يزيد عن أربعة عقود، الذي عُرف علميا بأطروحات من أبرزها “التنمية والعوامل غير الاقتصادية”، وعُرف سياسيا بكونه من أبرز وجوه حزب “التحرر والاشتراكية”، وانخرط في سابقِه “الحزب الشيوعي المغربي” وهو محظور، وترأّس “جمعية الاقتصاديين المغاربة” وشعبة العلوم الاقتصادية بكلية الحقوق بالدار البيضاء.

ويقدم الكتاب المعنون بـ”د.عبد العزيز بلال .. القائد – المفكر” قراءات وشهادات جديدة وقديمة في عزيز بلال ومنهجه في التحليل والتفكير في الاقتصاد والسياسة وتنمية المغرب والدّمقرطة، ومناهضة الاحتلال ومن بينه الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والاستغلال “الغربيّ” لإفريقيا ودول هامِشِ المراكز الرأسمالية.

ومن بين من ترد مقالاتهم أكاديميون وسياسيون أحياء وراحلون هم: عبد الرحيم بوعبيد، علي يعتة، فتح الله ولعلو، محمد سعيد السعدي، نور الدين العوفي، عبد الله العياشي، عبد السلام الصديقي، وعبد القادر باينة.

ومن المقالات التي خطّها عزيز بلال، ويعاد نشرها في هذا العدد الخاص به: “الأزمة التركيبية للاقتصاد المغربي ومقتضيات تطور اقتصادي سريع”، “بعض مشكلات الحركة النقابية المغربية”، “العوامل الإيديولوجية – الثقافية وإستراتيجيات التنمية”، “المقاومة الفلسطينية والتيار الثوري العالمي”، “تكوين الوفر في الأقطار المتخلفة”، “نضال الحزب الشيوعي المغربي ضد القمع ومن أجل الديمقراطية”.

فكر عزيز بْلال

الخبير الاقتصادي والوزير السابق محمد سعيد السعدي قدّم المنشور الجديد قائلا: “مرت اثنتان وأربعون سنة على رحيل المفكر الاقتصادي والاجتماعي الفذّ والقائد السياسي الرفيع عبد العزيز بلال، الذي وافته المنية بالولايات المتحدة سنة 1982، حيث كان يوجد ضمن وفد مغربي رسمي لعقد توأمة بين مدينتي الدار البيضاء وشيكاغو”، وأردف بأن عزيزا بلال الذي عرفَه أستاذا له في الجامعة نهاية ستّينيات القرن والعشرين، ثم بحزب التقدم والاشتراكية الذي التحق به سنة 1976: “مفكر اقتصادي واجتماعي، ومناضل مناهض للرأسمالية والإمبريالية، ومؤمن بقيم العدالة الاجتماعية والاشتراكية”، و”لم يكن عالم اقتصاد فقط (…) بل كان مثقفا عضويا يؤكد في دروسه الجامعية أن: كل نظرية لا تؤدي إلى الممارسة العملية ليست لها فائدة”.

وأضاف السعدي قارئا فكر هذا “المفكر (…) غير التقليدي”: “يتمحور فكر عزيز بلال حول إشكالية مترابطة العناصر تتكون من التحرر الوطني، الثورة الاجتماعية، التنمية والتطور الحضاري في بلدان (العالم الثالث)؛ يقوم بتحليلها باعتماد المادية التاريخية كمنهج لتحليل الواقع الملموس (…) استمد أدوات تحليله لظاهرتَي التخلف والتنمية من نظرية التبعية في صيغتها الماركسية، حيث يعتبر (التقدم) و(التأخر) وجهين لعملة واحدة؛ بحيث ينجم عن تطور (المركز)، أي البلدان الرأسمالية المتقدمة، تخلف بلدان (الأطراف)”.

هذا ما يعبر عنه، عزيز بلال، وفق قارئه: “بالتطور المتكافئ، أي (نتيجة للفروقات بين مستوى الأجور بين المركز والأطراف، الذي يفوق الفرق في إنتاجية العمل بينهم)، ما ينجم عنه تحويل للفائض الاقتصادي عبر التجارة الخارجية (تدهور معدلات التبادل التجاري) ومن خلال التبعية للرأسمال الأجنبي (تحويل الأرباح وريع البراءات على سبيل المثال)، وللسوق العالمية للرساميل وللمنظمات متعددة الأطراف (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي)”، في مسار “يؤدي إلى تفاقم الاستقطاب على الصعيد العالمي مع ما ينجم عنه من تعميق لظاهرة التخلف”.

وبالتالي كتب عزيز بلال أن “التخلف لا يمكن فهمه فهما صحيحا إلا إذا وضع على رجليه، باعتباره جزءا عضويا من كتلة سوسيو-تاريخية متحركة، ومنتجا فرعيا لتطور الرأسمالية الإمبريالية العصرية”.

التبعية بالمغرب

كتب السعدي أنه “نظرا لأهمية عملية الاستثمار (…) اختار عزيز بلال التركيز عليه لاستجلاء آليات إنتاج التخلف، محاولا استخلاص الدروس المستفادة من دراسة الاستثمار بالمغرب خلال الفترة الممتدة بين 1912 و1964. وبما أن الفترة المختارة تغطي في معظمها مرحلة الحماية الفرنسية على المغرب فقد انصب التحليل على دَور الاستثمار الأجنبي بشكليه الخاص والعام في إفراز نمو اقتصادي مشوه وتدمير وإلحاق البنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بركب التبعية للرأسمالية الأوروبية”.

وميز بْلال بين “نوعين من القطاعات الاقتصادية، النوع الأول حظي بحجم استثمارات كبير (خاصة في البنيات التحتية وقطاعات التصدير، بالإضافة إلى بعض الصناعات الخفيفة والأنشطة الخدمية)، جلها موجه لتلبية حاجيات (المتروبول) الفرنسية من مواد أولية ومنتجات فلاحية”، وفي المقابل “هُمّشت قطاعات أخرى رغم أهميتها في العملية التنموية، خاصة القطاع الفلاحي التقليدي والصناعات الثقيلة والأساسية والصناعة التقليدية، بالإضافة إلى الاستثمار الثقافي (أي الموارد العمومية المخصصة للتعليم والتكوين المهني)”.

هذه “التركيبة غير المتوازنة للاستثمار، وتسريب تأثيراته إلى الخارج خلال الحقبة الاستعمارية”، نجم عنها، وفق قراءة سعيد السعدي لتحليلِ عزيز بلال: “نمو اقتصادي مشوه وتابع لاقتصاد المتروبول، لا يستجيب لمتطلبات التنمية الاقتصادية بوصفها (عملية تراكمية متواصلة للإنتاج تطال الاقتصاد برمته، نتيجة تحولات بنيوية عميقة تمكن من إفراز محركات ذاتية وداخلية للتراكم والتقدم)”.

ومن بين ما لاحظه عزيز بلال أن “الأمر لم يتغير كثيرا خلال مرحلة ما بعد الاستقلال (1956-1964)؛ ذلك أن ضعف سياسات الاستثمار أدى إلى عدم تحقيق أهداف المخطط الخماسي (1960-1964)”، الذي كان مِن مهندسيه.

وحلل الاقتصادي، حسب المصدر ذاته، “الدور المعطِّل للمسار التنموي الذي لعبته الأوليغارشية، بما فيها الفئات البيروقراطية العليا، والبورجوازية الزراعية من خلال سلوكها الاقتصادي، وتحالفها مع الرأسمال الأجنبي (خاصة عبر المَغْرَبَة) لتكريس التبعية للرأسمالية الإمبريالية ودفاعها عن المنوال الاقتصادي الليبرالي، وكونها المستفيد الأول من الإكراميات المقدمة من طرف (رأسمالية الدولة التابعة) التي وضعت هذه الأخيرة في خدمة القطاع الخاص”، الذي له “ميل شديد للربح السريع والسهل”، ثم مع مرور الوقت “ترسخ تداخل المصالح هذا بين البورجوازية المغربية الكبيرة وأصحاب القرار على صعيد الإدارة العليا من جهة، وبين الأولى والمصالح الأجنبية من جهة أخرى، ما يتعارض مع متطلبات التنمية الوطنية المضطردة والمعتمدة على الذات”.

الديمقراطية ومغربية الصحراء

لم يهتم عزيز بلال بالعوامل الاقتصادية للتنمية فقط، بل اهتم أيضا بـ”العوامل الأيديولوجية والثقافية” نظرا لـ”إيمانه العميق بضرورة تعبئتها من أجل إرساء المشروع النهضوي والتحرري الوطني”، وفي هذا الإطار نبه إلى “ضرورة التصدي النقدي لثلاثة تيارات”.

هذه التيارات أولها: “التيار الماضَوي – السلفي الذي يدعو إلى الرجوع إلى (الجذور) على صعيد القيم الثقافية والأيديولوجية والأخلاقية، تحت غطاء الدفاع عن (الثقافة والهوية الوطنية)، والحال أنه يدافع فقط على مصالح وتصورات فئات اجتماعية محافظة ورجعية”، في قضايا من بينها “المرأة، والمساواة بين الجنسين، ووضعية الطبقات الشغيلة”.

ثاني التيارات المُنتقدَة “التيار التكنوقراطي – الحداثي الذي يسعى إلى محاكاة العالم الرأسمالي، واضعا ثقة عمياء في (العامل التكنولوجي) لحل مشاكل التنمية، مزدريا استعمال اللغة العربية لصالح لغة المستعمر، ومتجاهلا الجماهير الشعبية وقدراتها الإبداعية”، وثالثها: “التيار (العدمي)، الذي ينزع أي قيمة ثورية على التراث الثقافي الموروث، ويدعي بأنه رجعي ومتخلف، متجاهلا المبادئ الأولية للجدلية الاجتماعية والدروس المستخلصة من تجارب الحركات الثورية الكبرى المعاصرة”.

عزيز بلال اهتم، حسب سعيد السعدي أيضا، بـ”قضية كفاح الشعب المغربي من أجل تثبيت مغربية الأقاليم الصحراوية المسترجعة”، وحظيت بـ”حيز هام من اهتماماته ونشاطه النضالي، خاصة تجاه اليسار الأوروبي الذي اعتمد تقييما خاطئا لعدالة قضية الوحدة الترابية للمغرب بفعل خلطه غير البريء بين نظام الحكم المغربي والشعب المغربي، بالإضافة إلى المركزية الأوروبية المفرطة التي ميزت مقاربته لقضايا العالم الثالث (…) وقد كان عزيز بلال يعتبر أن النصر النهائي للقضية الوطنية مرتبط بشكل جوهري بإحداث تغيير جذري في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تأميم القطاعات الإستراتيجية للاقتصاد المغربي، والقيام بإصلاح زراعي شامل، واعتماد عدالة النظام الضريبي، وتفعيل ديمقراطية حقيقية تمكن الشعب المغربي من حكم نفسه بنفسه”.

لكن، طرح محمد سعيد السعدي سؤالا في آخر دراسته المقدّمة لمنشور “الملتقى”: “هل مازال فكر عزيز بلال صالحا لعصرنا هذا؟”، ثم كتب: “مازلت أتذكر كيف ختم أستاذنا الفقيد عزيز بلال درسه حول (المشاكل البنيوية للتنمية) سنة 1970 بالمقولة التالية التي اقتبسها من خاتمة كتاب (المقدمة) لعالم التاريخ والاجتماع ابن خلدون، وهي كالتالي: ‘ولذلك عزمنا أن نقبض العنان عن القول في هذا الكتاب الأول الذي هو طبيعة العمران، ولعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده الله لفكر صحيح، وعلم مبين، يغرف من مسائله على أكثر مما كتبنا”.

هنا استرسل السعدي قائلا: “هذا ما يدفعني إلى التأكيد على ضرورة الانطلاق من فكر عزيز بلال وليس التوقف عنده قصد تبجيله”، موردا في هذا الإطار ملاحظات على تحليلات لِبلال من بينها “عدم انتباهه لجوانب القصور في تجربة الدول الاشتراكية (…) والجدير بالذكر أن انهيار الاشتراكية السوفياتية يرجع إلى عدة أسباب منها الجمود في النمو الاقتصادي، وتشقق منظومة القيم الفكرية والأخلاقية، وإفراغ الاشتراكية من مضمونها الديمقراطي، بالإضافة إلى حدوث انفصال بين القرار السياسي وإرادة الشعب ورغباته”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق «تنظيم الإعلام» تُحيل مخالفين للجهات المختصة لوصفهما أحد الأندية وجماهيره بأوصاف غير لائقة - غاية التعليمية
التالى «مكين» و «سار» توقعان مذكرة تفاهم للتعاون في توريد المحركات وخدماتها - غاية التعليمية