تذكّرٌ لعلم من أعلام الدرس التاريخي المغربي، والكتابة الأدبية، والعمل السياسي الملتزم، محمد زنيبر، حضر أمس الأربعاء بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط، بالقاعة التاريخية “مدرج الشريف الإدريسي”، بجامعة محمد الخامس.
وقال عز الدين الميداوي، وزير التعليم العالي والابتكار، إنه جد سعيد ومعتز بـ”الندوة والمبادرات التي تكرّس ثقافة الاعتراف؛ لأن أمثال محمد زنيبر أعلامٌ مفكرون وأدباء كبار لا يمكن أن ينسوا”، قبل أن يضيف: “عرفت الأستاذ محمد زنيبر إنسانا ذا مزاج وامتزاج، أستاذا فذا ومفكرا للتاريخ، ذا ذوق فني كبير جدا، يتقن العود، والكلمات الجميلة”.
محمد الدرويش، رئيس مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم، تحدث عن “المؤرخ والأديب والسياسي محمد زنيبر”، الذي كان من الجيل المؤسس للدرس التاريخي بالمغرب إلى جانب عبد الله العروي، ومحمد القبلي الحاضر باللقاء، والراحلين جرمان عياش وإبراهيم بوطالب؛ وفي هذا “ترسيخ لثقافة الاعتراف، لأن من لا ماضي له لا حاضر له، ولا مستقبل له”.
وأضاف الدرويش: “محمد زنيبر الواحد متعدد المواهب والتخصصات والمبادرات؛ فهو من بين مؤسسي الدرس التاريخي في الجامعة المغربية منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، ما بوأه مكانة خاصة لدى أهل التاريخ؛ فكان واحدا من الجمعية المغربية للبحث التاريخي، كما كانت له إسهامات في الأدب، قصة ورواية وفنا، ما جعله يحظى بثقة الأسرة الأدبية، فكان عضوا في اتحاد كتاب المغرب لسنوات، وعلى المستوى السياسي كان له حضور متميز بين مناضلات ومناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”.
لطيفة الكندوز، رئيسة الجمعية المغربية للبحث التاريخي، تحدثت عن “أستاذ جليل، مؤرخ وكاتب وروائي وفنان شغوف بفن الملحون والموسيقى الأندلسية، وأحد رواد الدراسات التاريخية بالمغرب”، ثم استرسلت: “لمسنا فيه ونحن طلبة سعة الصدر والثقافة والمعرفة، وحسن التصرف”.
وزادت الكندوز: “هو أحد المميزين في البحث التاريخي بالمغرب، والرواية أيضا، وله إسهامات جليلة في تأطير وتكوين أجيال من الباحثين، وأعمال تاريخية قيمة في التاريخ الإسلامي عامة، والمغرب خاصة، في الفترة الوسيطية (…) وكتب حول جوانب تاريخية وحقب متعددة (…) تاريخ المجتمع الإسلامي، والحركة السلفية، والصحافة الدورية المغربية في الثلاثينيات، والملحون كظاهرة أساسية في الثقافة المغربية، والمثقف المغربي بين الفاعلية والسلبية، ومقاومة الصحراء المغربية ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني، ودور الثقافة في بناء المغرب الكبير، والاهتمام بالقضايا السياسية والحزبية، وخاصة الاتحاد الاشتراكي، وقضايا الأدب وخاصة الرواية والمسرح”.
ثم ختمت المتحدثة قائلة إن المؤرخ محمد زنيبر “وضع اللبنات الأولى مع أساتذة آخرين (…) أسس الجمعية المغربية للبحث التاريخي، التي مر عليها الآن نصف قرن من الزمان، للعمل على تنشيط وتحفيز البحث التاريخي، ودعم التواصل بين الباحثين، وكان الكاتب العام الأول لها”.
عبد الحميد جماهري، مدير جريدة الاتحاد الاشتراكي، تحدث من جهته عن محمد زنيبر الذي “جمع بين حقول مترامية الأطراف”، فهو “علَم منذ كان شابا وطنيا، ثم أستاذ مؤرخ أديب، مرورا بالفن بالسياسة والنقابة.”
واستحضر جماهري أحد مواقف المؤرخ الراحل، موردا: “لقد ناضل مع القوى النقابية والسياسية من داخل حرم الدبلوماسية المغربية في وزارة الخارجية، وطرد منها وهو رئيس قسم إفريقيا (…) كأي مناضل طبقي لا تهمه المظاهر، في تاريخ رصاصيّ ساحق، في إضراب 20 دجنبر 1961 (…) وطُرِد معه العديد من أحسن الأطر المغربية”.
وأضاف المتحدث: “لقد كان بيته بيت الضيافة، وعاصمة اشتراكية بامتياز، تستقبل الوفود القادمة إلى حزب القوات الشعبية، من السوفيات والفرنسيين والبولونيين، وغيرهم من أمم العالم في القرن العشرين (…) هو من قادة حزب الاتحاد الاشتراكي بنكران ذات، دون الحاجة إلى أضواء الظهور (…) وعلاقتنا به اليوم علاقة فكرية (…) ولم يسمح يوما للإيديولوجيا أن تعوض فرح العيش الكريم والمرح (…) وكان وراء إقناع الكثيرين بالالتحاق بالعمل النقابي الكفاحي، والجامعة كانت ساحة جهاده الأكبر، وتجربته راهنية (…) ومن بينها كتاباته في ارتباط حركة التحرر بالريف وارتباطها بالمشروع التحرري الوطني”.
محمد الغاشي، رئيس جامعة محمد الخامس، تحدث بدوره عن اللقاء المعرفي المحتفي بـ”أعلام في الذاكرة”؛ ومنهم “محمد زنيبر، إقرارا بفضله وجهوده الكبيرة وعطاءاته الغزيرة، لتقدير جهود إثراء المشهد المعرفي؛ وقد فقدناه منذ 1993”.
وأردف الغاشي متحدثا عن “حضوره الوازن بتجربة أكاديمية متفردة، وشخصية نموذجية قل نظيرها وعز مثيلها في العمل الثقافي والأدبي والاشتغال السياسي والنضالي، فضلا عن مهام التكوين والتدريس والانخراط في النشاط الجمعوي والتطوعي”؛ وهو “راحل كبير، أستاذ مفكر، وعالم متبصر في مادة التاريخ، بفعاليات متميزة محلية ووطنية ودولية، وتخرج عليه جم غفير من طلبة العلم، وأثرى المشهد الأدبي، كما أنه من الرعيل الأول لاتحاد كتاب المغرب، وعارف بالموسيقى الأندلسية وطبوعها وأوزانها وإيقاعاتها”.
ليلى منير، عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس، ذكرت من جهتها ما خلفه محمد زنيبر من “آثار طيبة في بناء النشء لا في الجامعة فقط”، هو وأعلام مغاربة آخرون منهم على سبيل المثال لا الحصر محمد عابد الجبري، محمد سبيلا، طه عبد الرحمان، عبد الله العروي، محمد جسوس، وإبراهيم بوطالب، أثروا “في فكر وقيم الإنسان المغربي”، قبل أن تختم بأن أهمية مثل هذه اللقاءات تتمثل في “فتح شهية الطلبة الباحثين لربط الماضي بالحاضر، وبناء مستقبل يليق بتطلعات المجتمع والمملكة”.
" frameborder="0">