على بعد أسابيع من احتفالات رأس السنة تتجدد المخاوف من ارتفاع حالات التسمم والوفاة الناجمة عن استهلاك المنتجات غير الصحية وغير الخاضعة للمراقبة، من ضمنها مسكر ماء الحياة أو “كحول الفقراء”، الذي يشهد إقبالا من طرف بعض المواطنين المغاربة خلال هذه الفترة من كل سنة، بالنظر إلى انخفاض أسعاره، فيما تدخل في تصنيعه العشوائي مواد تُشكل خطرا جسيما على الصحة، وهو ما يثير نقاشا حول أهمية تبني مقاربات لحماية المواطنين من أخطاره.
في هذا الصدد أكدت جمعيات حماية المستهلك بالمغرب أن السياق الحالي يتطلب من السلطات الأمنية، خاصة بالمناطق القروية، تكثيف تدخلاتها وعملياتها في مواجهة أوكار صناعة “الماحيا”، من أجل تقليل حجم الخسائر البشرية التي يمكن أن تنتج عن استهلاك هذا النوع من المسكرات، مشددة في الوقت ذاته على ضرورة التوجه نحو تقنين هذه الصناعة لتحقيق استفادة وطنية بما يحقق الأمن الصحي من جهة، والتنمية الاقتصادية من جهة أخرى.
في هذا الإطار قال بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إن “حوادث الوفاة الجماعية التي شهدها المغرب في الفترة الأخيرة بسبب الكحول الفاسدة يجب أن تكون درسًا للمغاربة في ما يخص الصناعة والترويج العشوائيين، ليس فقط لماء الحياة، بل أيضًا للكحول المغشوشة التي تشكل خطرًا على صحة مستهلكيها”، مشيرًا إلى أن “اقتراب احتفالات رأس السنة يشكل فرصة للكثيرين لإعداد كميات مهمة من مسكر ماء الحياة لترويجها بهذه المناسبة، بالنظر إلى الإقبال الكبير عليه”.
وأضاف الخراطي، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هناك من يموت في صمت بسبب استهلاك هذا النوع من المسكرات الذي تدخل في صناعته وتخميره مواد مضرة بالصحة، إذ تتستر عائلته على الأمر خوفًا من الفضيحة”، مؤكدًا أن “السلطات الأمنية كثفت حملاتها لإتلاف مصانع ‘الماحيا’ العشوائية وتوقيف المروجين بعد الحوادث المروعة التي عرفتها المملكة”، وزاد: “من المهم تكثيف هذه الحملات مع اقتراب رأس السنة، لكن الأهم من ذلك هو البحث عن مقاربات أخرى للاستفادة من الأمر”.
في هذا الصدد شدد المتحدث ذاته على “ضرورة توجه الدولة إلى تقنين صناعة مسكر ماء الحياة، وفتحها أمام الاستثمار، وبناء مصانع تخضع للمراقبة من طرف السلطات الصحية وتضمن تشغيل اليد العاملة، خاصة أن المواد الأولية التي تدخل في هذه الصناعة متوفرة في المغرب ويتم هدرها فقط؛ وبالتالي لماذا لا تتم الاستفادة منها لصناعة منتج محلي يحمي صحة المستهلكين من جهة، ويستفيد منه الاقتصاد الوطني من خلال التصدير من جهة أخرى”.
وبيّن رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أن “الحل الأمثل يتجاوز تشديد المراقبة والخناق على هذه الأوكار العشوائية، ليشمل تبني مقاربة اقتصادية براغماتية تفتح المجال أمام التصنيع المحلي وفق الضوابط الصحية المعروفة”، مشيرًا في هذا الصدد إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية كانت اتخذت أوائل القرن الماضي قرارًا بمنع إنتاج الكحول، وشددت الخناق عليها، غير أنها لم تنجح في ذلك؛ بل على العكس أفرز الأمر ارتفاعًا في أنشطة تصنيع الكحول خارج القانون من طرف شبكات حققت أموالًا طائلة من وراء هذه الصناعة، قبل أن تعدل عن هذا القرار؛ وبالتالي فإن المدخل الأساسي للقضاء على العشوائية هو التقنين”.
من جهته أورد عبد الكريم الشافعي، رئيس الفيدرالية الجهوية لحقوق المستهلك بجهة سوس-ماسة، أن “مسكر ماء الحياة غالبًا ما تدخل في صناعته وتخميره مواد سامة ومضرة بالصحة، ككحول الحريق، الذي تسبب في وفاة العديد من مستهلكي هذا المنتج؛ وبالتالي يجب على السلطات، خاصة جهاز الدرك الملكي، تكثيف حملاتها مع اقتراب احتفالات رأس السنة الجديدة، بالنظر إلى أن أغلب المصانع العشوائية لصناعة هذه المادة تتركز في أحواز وضواحي المدن، التي يفضلها المروجون لتجنب افتضاح أمرهم”.
وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الحملات لا يجب أن تقتصر على فترات دون غيرها، أو بمناسبة وقوع وتفجر حادث مؤلم بسبب الخمور، بل يجب أن تمتد على طول السنة لتقليص عدد الضحايا المفترضين، في انتظار إقرار حلول أكثر نجاعة لهذا الأمر الذي أصبح واقعًا لا يمكن القفز عليه أو تجاوزه، إذ إن الكثير من المغاربة يستهلكون الخمور ويقبلون عليها، بما في ذلك بالمحلات المرخصة، رغم أنها موجهة لغيرهم”.
وشدد رئيس الفيدرالية الجهوية لحقوق المستهلك بجهة سوس-ماسة على “أهمية تشديد الخناق أيضًا على باعة الخمور دون رخصة، الذين يستغلون الأيام التي تسبق رأس السنة للترويج لمختلف أنواع الخمور بدون ترخيص”، وزاد: “كما يجب أن تشمل المراقبة أيضًا نقاط البيع المرخصة”، مبينًا أن “العديد من المواطنين، في ظل غلاء أسعار الخمور، يفضلون مسكر ماء الحياة، ما يعرض حياتهم للخطر؛ وعليه يجب على الأقل في ظل الوضع الحالي التصدي لمروجي هذا المنتج الذي تسبب في وفاة العشرات من المغاربة”.