من دون اضطرابات سياسية، سيصل إنتاج النفط الليبي إلى أهدافه بكل سهولة.. هذا ما أظهره التعافي السريع من الأزمة الأخيرة لإغلاق الحقول، لكن لا أحد يستطيع أن يُجزم أو يضمن أن تبقى ليبيا بعيدة عن الصراعات الداخلية.
ففي يناير/كانون الثاني 2024، وقت الإغلاق الأول لحقل الشرارة (أكبر حقل في البلاد)، ذكرت في مقال تحت عنوان "إنتاج النفط الليبي ومعضلة الـ2 مليون برميل"، أن المشكلة ليست في الإغلاق نفسه، فقد يعود الحقل للإنتاج قريبًا، لكن الأزمة الكبرى في تكرار الإغلاقات والتلويح بها مرارًا.
وبالفعل عاد الحقل الأكبر في ليبيا للإنتاج بعد أسبوعين من إغلاقه، لكنه تعرّض للإغلاق مجددًا في أغسطس/آب.
والشهر نفسه كان شاهدًا على الضربة الكبرى لإنتاج النفط الليبي بإعلان حالة القوة القاهرة في الحقول كافة إثر خلاف بين حكومتي بنغازي وطرابلس بشأن قيادات المصرف المركزي.
ومع تشغيل الحقول مجددًا -بعد 5 أسابيع من الإغلاق- وبمعدل سريع رفع إنتاج البلاد فوق 1.4 مليون برميل يوميًا، انتعشت آمال تحقيق مستهدف الإنتاج المعلنة من قبل المؤسسة الوطنية للنفط:
- 1.5 مليون برميل يوميًا في 2025.
- 2 مليون برميل يوميًا في 2027.
لكن، هل تتحقق هذه الأهداف بالفعل أم تظل حلمًا بعيد المنال يراود البلاد فقط مع انتعاش الإنتاج بعد كل أزمة وما أكثر ذلك في السنوات الماضية.
الأزمة الأخيرة لإنتاج النفط الليبي ونتائجها
رغم تكرار وقف إنتاج النفط الليبي عشرات المرات منذ اندلاع الأزمة السياسية عام 2011؛ فإن اللافت للنظر هذه المرة المستويات المرتفعة التي وصل إليها الإنتاج، وقبل الحديث عنها دعونا نستعرض التسلسل الزمني للأزمة الأخيرة عام 2024:
- 7 أغسطس/آب: إغلاق حقل الشرارة رسميًا بعد حصاره من محتجين على الأوضاع الاجتماعية.
- 26 أغسطس/آب: إعلان القوة القاهرة في الحقول والمواني النفطية كافة، بسبب خلافات تغيير قيادة مصرف ليبيا المركزي.
- 26 سبتمبر/أيلول: حل الأزمة بين الحكومتين المتنازعتين في ليبيا بتعيين محافظ جديد للمصرف المركزي، ناجي عيسى.
- 3 أكتوبر/تشرين الأول: رفع حالة القوة القاهرة على الحقول بدءًا بحقل الشرارة، الذي ينتج 300 ألف برميل يوميًا.
وهبطت الأزمة الأخيرة بإنتاج النفط الخام إلى 540 ألف برميل يوميًا، وهو مستوى لم نشهده منذ عام كورونا (2020)، الذي تراجع فيه الإنتاج إلى متوسط 367 ألفًا.
ورغم ذلك؛ فقد حقق الإنتاج عودة سريعة ليس فقط لمستويات ما قبل أزمة إغلاق الحقول، بل لأرقام لم تشهدها البلاد منذ أكثر من 11 عامًا، إذ قفز فوق مليون برميل يوميًا في أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن يُضيف 300 ألف برميل يوميًا أخرى خلال الشهر الماضي.
وبحسب آخر التقديرات اليومية المعلنة؛ فإن إنتاج ليبيا من الخام والمكثفات بلغ 1.403 مليون برميل يوميًا في 3 ديسمبر/كانون الأول 2024.
الرسم التالي من إعداد وحدة أبحاث الطاقة يرصد تطور إنتاج النفط الليبي شهريًا بين عامي 2020 و2024:
آمال زيادة إنتاج النفط الليبي تنتعش.. ولكن
تمكّن إنتاج النفط الليبي بالفعل من تجاوز مستوى 1.4 مليون برميل يوميًا، الذي كان مستهدفًا بنهاية العام الجاري.
وبالنظر إلى الإنتاج الحالي، لم يعد هدف الوصول إلى 1.5 مليونًا في 2025 بعيدًا الآن؛ حيث يشهد الإنتاج زيادة يومية متسارعة في الشهرين الماضيين، إلى جانب استئناف كبريات شركات النفط العالمية مثل إيني الإيطالية وبي بي البريطانية أنشطتها الاستكشافية في البلاد.
ورغم هذه التطورات الإيجابية لقطاع النفط الليبي؛ فإن الطريق إلى مليوني برميل يوميًا بحلول 2027 يبقى مليئًا بالصعوبات.
فالمؤسسة الوطنية للنفط ترى أن تحقيق هدف مليوني برميل يتوقف على شرطين:
- توافر الميزانية اللازمة لتشغيل الحقول حتى عام 2027.
- عدم تعرُّض إنتاج الحقول لأي تعثر أو تأخير خارج عن إرادة المؤسسة والشركات التابعة لها.
وهما شرطان من الصعب جدًا ضمان تحقيقهما استنادًا لما شهدته ليبيا في السنوات الماضية.
أولًا: من حيث الميزانية اللازمة لتشغيل الحقول؛ فإن ليبيا -وفق تقديرات المؤسسة الوطنية للنفط- تحتاج إلى ما يتراوح بين 17 و18 مليار دولار لتحقيق هدف الإنتاج، وهذا يعادل تقريبًا إجمالي إيرادات البلاد من النفط، بعد استقطاع فاتورة المحروقات.
ولأن الاقتصاد الليبي يعتمد بنسبة 90% على هذا القطاع؛ فإن توفير استثمارات محلية أمر مستبعد.
وهذا يعني أن زيادة إنتاج النفط الليبي إلى مليوني برميل بحلول 2027 ترتبط بوجود استثمارات أجنبية تقترب من 6 مليارات دولار سنويًا، وهو تحدٍّ صعب للغاية بالنظر إلى المستويات الحالية البالغة مليار دولار.
وتتطلب زيادة الإنتاج تحديث البنية التحتية القديمة وخطوط الأنابيب المتهالكة، التي لم تشهد صيانة منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، حينما وصل إنتاج النفط إلى ذروته فوق 3 ملايين برميل يوميًا.
ووسط حالة الاستقرار الحالية، قد تكون جولة التراخيص المقبلة في بداية 2025 فرصة لجذب المزيد من الاستثمارات وتغيير البوصلة بعيدًا عن الآفاق السلبية المحيطة بهدف الـ2 مليون برميل، لكن هذا -وإن حدث- سيتوقف على تحقيق الشرط الثاني.
ثانيًا: فكرة عدم حدوث تغير خارج عن إرادة المؤسسة الوطنية والشركات التابعة لها أمر غير مضمون إطلاقًا وسط الانقسام بين الشرق والغرب والعرض المستمر للاضطرابات السياسية والإدارية.
فمنذ 2011، لم يمر عام تقريبًا من دون أن يشهد إنتاج النفط الليبي إعلان حالة القوة القاهرة مرة أو أكثر.
باختصار، إذا استمرت الزيادة الحالية للإنتاج الإنتاج الحالي؛ فإن الهدف الأول سيكون في المتناول، لكن الوصول إلى مليوني برميل يظل تحديًا أكبر، مع نقص الاستثمارات بسبب المناخ السياسي المضطرب.
وعلى ليبيا الاستفادة من ثرواتها النفطية (48 مليار برميل) قبل أن يضيق الخناق عليها مع زخم تحول الطاقة.
*أحمد شوقي مدير وحدة أبحاث الطاقة وخبير في أسواق النفط والغاز.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي الطاقة.
اقرأ أيضًا..