تستمر السلطات المحلية بالعاصمة الرباط في شنّ حملة تمشيطية لأحياء المدينة بغرض محاصرة مجموعة من السِّلَك التي تعتبر عادةً غير متماشية مع التنمية الحضرية المحققة بـ”عاصمة الأنوار”، مستهدفة المتسولين والمتسكعين والأشخاص بدون مأوى الذين ينتشرون بكثرة في مناطق تواجد إدارات ومؤسسات عمومية.
وصادفت هسبريس، خصوصاً في الحي الإداري حسّان، مرور هذه الحملة بأبرز شوارع الحي، بما فيها الشوارع الفرعية المؤدية إلى شارع محمد الخامس، إضافة إلى شارع مولاي إسماعيل، الهادفة إلى محاربة ظاهرتي التسكع والتسول، مع نقل المتعاطين لهما إلى مراكز اجتماعية، وهو ما أوضحه مصدر خاص بإشارته إلى أن “الأمر يتعلق بحملات ميدانية تشرف عليها السلطات المحلية بتعليمات من المصالح الممثلة لوزارة الداخلية بالمدينة”.
وقال المصدر إن “الأمر يتعلق أساساً بانتشال المتسكعين والمشردين من الفضاء العام والحيلولة دون حدوث ما يسيء إلى صورة مدينة الرباط كعاصمة للمملكة، حيث تستقبلهم المراكز الاجتماعية المخصصة لذلك، بما فيها مركب عين عتيق ومركب الأمل، بالإضافة إلى المركب الاجتماعي المتواجد بالمدينة العتيقة”.
المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لفت إلى أن هذه التحركات المتواصلة تأتي “بناء على أن بعض السِّلَك والظواهر الاجتماعية لا تحترم التقدم الذي عرفته البنية التحتية لمدينة الرباط، خاصة وأن أحياء راقية، مثل أكدال والسويسي، تشهد هذا الأمر”.
ويظهر جلياً أن الرباط، كغيرها من المدن الكبرى، ما زالت تعاني من ظواهر تتعارض مع التنمية الحضرية التي عرفتها خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع استعداد هذه المدن لاستقطاب تظاهرات قارية وعالمية خلال السنوات المقبلة، مما يجعل من الأولوية، وفق جمعويين، التصدي لهذه الإشكاليات.
عبد العالي الرامي، ناشط جمعوي بالمدينة، قال إن “حملات جمع وإيواء المشردين وأطفال الشوارع والأشخاص بدون مأوى والمتسولين في دور الرعاية الاجتماعية والمراكز التابعة للتعاون الوطني، التي تقوم بها السلطات المحلية في الرباط، تكتسي أهمية كبرى وتنطوي على أبعاد إنسانية مهمة، خاصة في الفترات التي تعرف انخفاضاً في درجات الحرارة خلال فصلي الخريف والشتاء”.
وأضاف الرامي أن “هذه الحملات تصون كرامة هؤلاء الأشخاص من خلال تمكينهم من الدعم والعلاجات الطبية الضرورية في هذه المراكز، إذ يُعد تحقيق الكرامة للجميع من الخيارات التي ألزمت الدولة المغربية نفسها بالوفاء بها وفق ديباجة الدستور”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن “بعض أحياء الرباط تشهد انتشار ظاهرة التسول والتسول بالأطفال، وهي ظاهرة يعاقب عليها القانون الجنائي في فصله 326، مما يسيء لسمعة البلاد في ظل الاستحقاقات والأحداث الدولية التي تستعد لاحتضانها”.
وشدّد الفاعل المدني ذاته، في تصريح لهسبريس، على أن “طبيعة هذه الاستحقاقات والصورة التي تسعى الدولة إلى ترويجها للخارج تفرض بالضرورة تكثيف جهود إيواء المشردين على مستوى جميع المدن المغربية، وإحداث مراكز ودور رعاية أخرى بمواصفات عالية لتحفيز هذه الفئة على الاندماج فيها، كما تفرض العمل على محاصرة ظاهرة التسول باعتماد مقاربات متعددة الأبعاد تمزج بين الشق التضامني والاجتماعي، وأحياناً الزجري، على اعتبار أنه ليس كل المتسولين محتاجين فعلاً، بل يتخذ البعض منهم التسول وسيلة للاغتناء من خلال استغلال التعاطف والتضامن المعروفين بين المغاربة”.
ومن الرباط إلى مراكش حيث أوضح خالد واعديدي، من النسيج الجمعوي بالمدينة، أن “هناك مجموعة من القضايا ما تزال تحتاج إلى حملات مكثفة وتدخل قوي لمعالجتها، خاصة وأنها لا تتناسب مع التطور الحضري الذي حققته مجموعة من المدن المغربية”.
وقال واعديدي في تصريح لهسبريس: “بخصوص عاصمة النخيل، تمت مراسلة ولاية الأمن في وقت سابق من هذه السنة من أجل التصدي بقوة لظاهرة التسول في المناطق الراقية بالمدينة وبجوانب الفنادق والفضاءات العمومية، وكان هناك تفاعل مع هذا المطلب الذي دعمته ديناميات مدنية”.
وأكد الفاعل الجمعوي ذاته أن “المدن المغربية، بما فيها التي تعتبر أقطابا سياحية، ما تزال تعاني من بعض التعثرات الناجمة عن ظواهر مثل التسول أو التشرد والتسكع”، مشيرا إلى أن “هذا الأمر غير مقبول ويستدعي تحركات مكثفة لضمان بقاء المدار الحضري في مأمن من مثل هذه السِّلك”.