بشار الأسد، الذي كان يُنظر إليه في بداية عهده كرئيس شاب يمكن أن يجلب نفحة من التغيير إلى سوريا، انتهى به المطاف لاجئا إنسانيا في العاصمة الروسية وواحدا من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الحديث للشرق الأوسط. طبيب العيون الهادئ، الذي عاد إلى بلاده بشكل مفاجئ بعد وفاة شقيقه باسل، وجد نفسه في قلب العاصفة السياسية التي حولته إلى حاكم مطلق لبلد ممزق.
وُلد بشار الأسد في 11 سبتمبر 1965 بدمشق من عائلة تنتمي إلى الطائفة العلوية. نشأ في كنف والده حافظ الأسد، الذي كان يسيطر بقبضة حديدية على سوريا منذ توليه السلطة عام 1970. رغم الطابع الصارم لنظام والده، عُرف بشار بطبيعته الهادئة، وتميز عن شقيقه باسل الذي كان يُعد خليفة والده الواضح. تلقى بشار تعليمه الأولي في دمشق، ثم التحق بكلية الطب بجامعة دمشق حيث تخصص في طب العيون. لاحقًا انتقل إلى لندن لمواصلة تخصصه، وهناك تعرف على زوجته أسماء الأخرس، التي تنحدر من عائلة سورية سنية بارزة.
كانت حادثة السير التي أودت بحياة شقيقه باسل عام 1994 نقطة التحول الأبرز في حياة بشار. بعد هذه الحادثة استدعاه والده إلى سوريا ليكون وريثًا محتملاً للسلطة. ترك بشار حياته في لندن وعاد إلى دمشق حيث تلقى تدريبًا عسكريًا وسياسيًا على يد والده استعدادًا لدوره الجديد. وعندما توفي حافظ الأسد عام 2000 تولى بشار الرئاسة بعد تعديل دستوري خفّض الحد الأدنى للسن المطلوب لتولي المنصب. في البداية أطلق ما سُمي بـ”ربيع دمشق”، حيث سمح بمجموعة من النقاشات والمنتديات السياسية، إلا أن هذه الفسحة القصيرة من الحرية انتهت سريعًا مع قمع المثقفين والنشطاء المشاركين في هذه النقاشات.
يقول صحافي التقاه عدة مرات لوكالة “فرانس برس” إن بشار الأسد كان دائمًا هادئًا وغير متوتر، حتى في أحلك لحظات الحرب. كان يبدو متحفظا ويزن كلماته بعناية، ولديه قدرة كبيرة على خلط الأوراق والبقاء في المشهد رغم الأزمات. ورغم هدوئه الظاهري كان يحمل في داخله قسوة واضحة. لم يكن من النوع الذي يظهر العنف علنًا، بل كان يعمل في الظل من خلال الأجهزة الأمنية التي كانت تسيطر على جميع مفاصل الدولة. دبلوماسي أوروبي، التقى الأسد في بدايات عهده، وصفه بأنه شاب مثقف وذكي، لكنه يحمل في داخله ميلاً واضحًا للتشبث بالسلطة وعدم التنازل. وأضاف أن الأسد كان يبدو دائمًا كرجل يعوّل على الوقت وعلى تحالفاته الاستراتيجية مع قوى كبرى للبقاء في السلطة.
مع اندلاع الاحتجاجات عام 2011 ظهر الأسد في خطاباته كمن يرفض الاعتراف بحجم الأزمة. استخدم نبرة هادئة لشرح مواقفه، لكنه كان دائمًا مصحوبًا بلغة غير مباشرة تُلمح إلى استعداده لاستخدام القوة. خلال سنوات حكمه حاول الأسد أن يظهر بمظهر الزعيم الهادئ والحازم، حيث ظهر في المناسبات الرسمية ببزته الرسمية وربطة عنقه، بينما تغيب صوره العسكرية عن المشهد العام. ومع تصاعد النزاع أصبحت صوره في الشوارع هدفًا للغضب الشعبي، حيث أقدم معارضوه على إحراقها وتمزيقها، في مشاهد عكست رفضًا واسعًا لاستمراره في الحكم.
ورغم محاولاته تقديم نفسه كحامٍ للأقليات وصمام أمان ضد الفوضى والتطرف، فإن سياساته القمعية أثبتت عكس ذلك، حيث تسبب النزاع في تدمير البنية التحتية للبلاد، وترك مدنًا بأكملها في حالة من الخراب. مع كل ذلك، استمرت الانتخابات الشكلية التي أعادته إلى الحكم مرارًا، وسط تشكيك دولي واسع في نزاهتها.
في تصريحاته الأخيرة قبل هروبه، وصف الأسد هجوم الفصائل المسلحة بأنه تصعيد إرهابي يهدف إلى تقسيم المنطقة، متمسكًا بخطابه التقليدي عن المؤامرات الدولية. لكن الوقائع على الأرض كانت تشير إلى انهيار متسارع لنظامه، حيث أُجبر على مغادرة العاصمة قبل وصول المعارضة إليها. في موسكو أكدت مصادر روسية أن الأسد وعائلته حصلوا على اللجوء الإنساني. هذه الخطوة، التي تشير إلى نهاية دوره السياسي، تفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول مستقبل سوريا في مرحلة ما بعد الأسد. البلاد، التي أنهكتها الحرب والدمار، تواجه الآن تحديات إعادة الإعمار ورأب الصدع الاجتماعي الذي خلفته سنوات النزاع.
ورغم سقوطه يبقى إرث بشار الأسد مرتبطًا بسنوات من القمع والدمار. خلف نظامه أكثر من نصف مليون قتيل، وترك مدنًا كاملة مدمرة، وشرد ملايين السوريين. يبقى السؤال الآن: هل ستتمكن سوريا من تجاوز إرث الأسد وبناء مستقبل جديد؟
شهادات من معارضيه وأقرب حلفائه تظل شاهدة على رجل حكم بحذر ودهاء، لكنه أضاع فرصة تاريخية للإصلاح، ليُذكر في التاريخ كأحد أكثر القادة إثارة للجدل في المنطقة.