في ظل استمرار الصراع الدامي في أوكرانيا والضغط العسكري المتزايد من روسيا، أطلقت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية نقاشًا ساخنًا حول مستقبل البلاد. التقرير أشار إلى أن بعض القوى الغربية قد تكون تتباحث سرًا حول صيغة "الناتو مقابل الأراضي"، وهو اقتراح يحمل في طياته احتمال تقسيم أوكرانيا إلى مناطق نفوذ شبيهة بتقسيم ألمانيا الشرقية والغربية بعد الحرب العالمية الثانية. هذه النقاشات، التي قيل إنها استمرت لأكثر من 18 شهرًا، أثارت حالة من الجدل والقلق حول مصير أوكرانيا في ظل الحرب المستمرة.
رد أوكراني صارم: رفض فكرة التقسيم واعتبارها "هراء"
بعد صدور تقرير فايننشال تايمز، جاء الرد من كييف سريعًا ورافضًا لكل هذه التكهنات. وصف مكتب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي ما تم نشره بأنه "هراء"، مؤكدًا أنه لا يوجد أي نقاش رسمي حول فكرة تقسيم البلاد مقابل ضمانات أمنية أو الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). شددت الرئاسة الأوكرانية على أن هذا النوع من النقاشات ليس جزءًا من أي مفاوضات جارية، معتبرة أن أي فكرة تتعلق بتقسيم أوكرانيا غير مقبولة على الإطلاق.
إلى جانب ذلك، نقلت مصادر في كييف عن مسؤولين حكوميين قولهم إن الغرب لم يقدم حتى الآن ضمانات أمنية ملموسة من شأنها أن تمنع توسع الحرب أو تكرارها. ورغم ذلك، لا تزال التكهنات قائمة حول وجود نقاشات سرية تدور خلف الأبواب المغلقة بين القوى الكبرى بشأن مستقبل أوكرانيا وأمنها في المنطقة.
هل يعيد العالم استنساخ نموذج ألمانيا الشرقية والغربية؟
التقرير الذي نشرته فايننشال تايمز أشار إلى استمرار النقاشات حول تقسيم أوكرانيا على غرار نموذج ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وفقًا لهذا السيناريو، قد يتم تقسيم أوكرانيا إلى منطقتين؛ واحدة تحت سيطرة الغرب وعضوة في الناتو، وأخرى تحت نفوذ روسيا، تشبه ألمانيا الشرقية التي كانت ضمن الكتلة السوفيتية سابقًا.
تأتي هذه النقاشات بالتزامن مع تصريحات الأمين العام السابق لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، الذي ألمح إلى ضرورة إعادة النظر في "الأراضي المفقودة". هذه التصريحات زادت من التكهنات حول احتمال قبول المجتمع الدولي بترسيم حدود جديدة كجزء من حل للصراع الأوكراني-الروسي، مما يعيد إلى الأذهان تجربة تقسيم ألمانيا التاريخية، ولكن بنسخة معاصرة وأكثر تعقيدًا.
خسائر الحرب: مليون قتيل وجريح في معركة دموية طويلة
بينما تزداد النقاشات السياسية والديبلوماسية سخونة، لا تزال حرب أوكرانيا تؤدي إلى خسائر بشرية مروعة. تقديرات استخبارات غربية حديثة تشير إلى أن نحو مليون شخص قد قتلوا أو أصيبوا جراء النزاع. الأرقام تشمل مقاتلين ومدنيين من كلا الطرفين، حيث يُعتقد أن أوكرانيا وحدها فقدت نحو 80 ألف جندي، بالإضافة إلى 400 ألف جريح، وفقًا لتقديرات سرية نشرتها وسائل إعلام محلية مطلع هذا العام.
على الرغم من هذه الخسائر الضخمة، تظل أرقام الضحايا غير واضحة بدقة، حيث ترفض كل من روسيا وأوكرانيا الكشف علنًا عن حجم الخسائر التي تكبدتها، مما يزيد من غموض الوضع في أرض المعركة.
مستقبل أوكرانيا: هل ينتهي النزاع بالتقسيم؟
مع استمرار الحرب وتزايد التكهنات حول مصير أوكرانيا، يبدو أن البلاد قد تكون أمام منعطف حاسم في تاريخها. هل ستتخذ الدول الغربية خطوة جريئة لتأمين عضوية أوكرانيا في الناتو مقابل تنازلات إقليمية؟ أم أن هذا السيناريو سيظل مجرد شائعات تدور حوله التكهنات في ظل رفض أوكرانيا لأي تقسيم؟
في كل الأحوال، يبقى مستقبل أوكرانيا غامضًا في ظل الظروف الراهنة. فمع كل يوم يمر، تستمر الحرب في التهام الأرواح والموارد، بينما يتصاعد الجدل حول التسويات الممكنة لإنهاء هذا النزاع الطويل. ولكن إذا كان التقسيم هو الخيار الأخير، فقد يعيد التاريخ نفسه، ولكن هذه المرة في قلب أوروبا الشرقية.