القى الكاتب الصحفي خالد البلشي نقيب الصحفيين، كلمة خلال المؤتمر السادس لنقابة الصحفيين، جاء فيها :
"أسعد الله مساءكم بكل خير
أهلًا بكم بنقابة الصحفيين في افتتاح مؤتمرها العام السادس، الذي يأتي بينما تواجه الصحافة تحديات كبيرة على مستويات عدة، إن لقاءنا اليوم يمثل فرصة حقيقية لنا جميعًا لنقف معًا أمام هذه التحديات، وندعّم مسيرتنا نحو التغيير الإيجابي، الذي نحتاجه بشدة في هذه الأوقات الصعبة.
أقف اليوم بينكم في حضرة لفيف من كبار أساتذة المهنة، وكبار النقابيين أصحاب الحضور الأكبر في تاريخ الصحافة مصريًا وعربيًا ودوليًا.. أقف بينكم بينما تحمي هذه القاعة "قاعة الشهداء" أرواح عظماء الصحافة وأساتذتها الكبار.. وأرواح شهدائنا وشهداء الصحافة في فلسطين والعالم، بينما ترفرف حولنا اليوم أرواح أكثر من 194 شهيدًا للصحافة الفلسطينية.
أقف بينما يتجسد معنى نقابة الصحفيين، وعظمتها، وعظمة جمعيتها العمومية في هذا الحضور الكبير لجميع الأجيال، وفي المقدمة أكثر من 5 نقباء سابقين يضربون نموذجًا لديمقراطية نقابتنا، وتداول السلطة داخلها، بينما يتعاون قطاع كبير منهم اليوم مع مجلسها الحالي، ومجلس أمناء المؤتمر العام السادس للنقابة من أجل رفعة هذه المهنة، ورسم خارطة طريق استعادة مكانتها وقوتها لنتشارك جميعًا في الأفكار والعمل، والسعي من أجل الخروج من أزمة مهنتنا، وأزمة أبنائها، وكلنا إدراك أن الصحافة المعبرة عن آمال وطموحات المواطنين هي التي ستبقى، وهي القادرة على الخروج لبراح الحرية، والقدرة على التعبير.
زميلاتي وزملائي وأساتذتي
من المؤكد أننا نعيش أوقاتًا صعبة، تواجه الصحافة فيها العديد من التحديات المقلقة. لقد أصبحنا شهودًا على أزمة حقيقية تتمثل في تراجع حرية التعبير، وزيادة الضغوط الملقاة على الصحفيين، وتحجيم فرصهم للقيام بدورهم الحيوي في المجتمع. وهي الأزمة التي امتدت لتلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية للمهنة وللصحفيين، وهي الأوضاع التي يدفع أعداد كبيرة من ممارسي المهنة ثمنها، وتحجم فرصهم للقيام بدورهم الحيوي في المجتمع. فالعديد من زملائنا يعيشون ظروفًا مهنية واجتماعية واقتصادية صعبة حان الوقت أن نناقشها بشكل علني وجاد ومعلن في مؤتمرنا، وعيننا على مستقبل أفضل للجميع.
زميلاتي وزملائي
إن خطتنا للمؤتمر وآمالنا المعقودة حوله هي استكمال لمحاولاتنا استعادة هذه المهنة، واستعادة نقابتها بيتًا لكل الصحفيين، ومعبرةً عن أوضاعهم وآمالهم، وطموحهم لهذه المهنة.
لقد كانت خططنا مع بداية هذه الدورة النقابية أن نعيد للمبنى رونقه ومعناه، وللمهنة قوتها وتأثيرها، في خطين متوازيين، كانت البداية بالمبنى، فتم فتح أبوابه بمعاونة كل الزملاء في المجلس، وتم استعادة كل الأنشطة فيه، ووصل ما انقطع من ماضي النقابة بسبب هذه الظروف في محاولة لاستعادة روح النقابة وقيمها، التي وضعها مؤسسوها ونقابيوها العظام.
لقد كنا حريصين منذ البداية على الحفاظ على تنوع هذه المهنة في سعينا لاستعادة قوتها الناعمة، لا نفرق بين فريق وآخر، وكان الهدف أن يتم فتح الأبواب للجميع ربما نجحنا في بعض خططنا، وربما أخفقنا في بعضها، وربما ما زلنا في حاجة لاستكمال هذا البناء في جوانب أخرى، خاصة على صعيد المهنة، لقد حاولنا في ملفات الحبس، فحققنا بعض النجاحات في البداية ليخرج ما يقرب من 11 زميلًا من غياهب الحبس، ويتم إغلاق الباب الدوار لدخول محبوسين جدد لأكثر من عام كامل، واعتبرنا ذلك بداية لإنهاء هذا الملف، لكن مع بدايات العام الثاني في عمر المجلس عاد الباب ليدور بشكل عكسي، وبعد أن تراجع عدد المحبوسين من الصحفيين من 30 زميلًا إلى 19 زميلًا، ارتفع العدد مرة أخرى ليصل إلى 24 زميلًا محبوسًا في انتكاسة لكل هذه الجهود نتمنى ألا تطول، خاصة أن 15 زميلًا من بين المحبوسين تجاوزت فترات حبسهم الاحتياطي عامين كاملين، وبعضهم استطالت فترات حبسه الاحتياطي لتصل إلى خمس سنوات، ويكفي تطبيق القانون الحالي، ومراجعة أوضاعهم لإطلاق سراحهم فورًا.
إن قضية الحبس تتجاوز الأرقام لتمتد إلى واقع إنساني صعب يعيشه المحبوسون وأسرهم، وإنني استغل هذا المؤتمر لألفت النظر لأرواح الزملاء المحبوسين الهائمة، وقلوب أسرهم الموجعة، التي تنتظر الإنقاذ، مجددًا مطالب النقابة بالإفراج عنهم، وأتمنى أن تكتمل فرحتنا جميعًا بإخلاء سبيلهم، وإغلاق هذا الملف المؤلم، وهو سعي لن نتوقف عنه، مهما كانت العقبات.
إنني من هذه المنصة أوجه نداءً واضحًا للجميع: بإطلاق سراح جميع الصحفيين المحبوسين، والاستجابة لنداءات الحوار الوطني لتبييض السجون من سجناء الرأي.
وسيبقى حلمنا الدائم أن يأتي اليوم الذي يكون الجميع حاضرًا في هذا المشهد دون غياب اضطراري لسبب من الأسباب، حبسًا أو هجرةً غير طوعية، أو تهمشيًا بسبب الأوضاع المهنية والاقتصادية.
زميلاتي وزملائي
الأمر أشمل من قضية الحبس، ويتعلق بمهنة لا تعيش ولا تتقدم وتبدع إلا بالحرية، لذا فإن حرية الصحافة ليست مجرد رغبة للجماعة الصحفية، بل هي حق أساسي من حقوق الإنسان. ونحن بحاجة إلى بيئة ومجال عام حر يسهم في تعزيز هذا الحق، وعلينا أن نكون صادقين في نضالنا من أجل تحقيق هذا الهدف، من خلال العمل الجاد والدؤوب لاستكمال البيئة التشريعية الحامية للصحافة وحريتها عبر إصدار القوانين، التي تحمي الصحفيين وتضمن حقوقهم. ومن هذا المنطلق واتساقًا مع مواد الدستور المصري، فإننا عبر هذا المؤتمر نطالب بإقرار قانون يمنع العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية، وهو مشروع تم إعداده بالفعل خلال الجلسات التحضيرية للمؤتمر، وكذلك عبر تبني مشروع كامل لحرية تداول المعلومات يعزز من الشفافية، فالنافذة المفتوحة على المعلومات تعتبر حقًا من حقوق المواطنين، ويجب أن تكون القوانين مستندة إلى تعزيز هذا الحق، وليس تقييده. إن صوت الصحافة يمثل صوت المواطن، ولا ينبغي لأي قيود تشريعية أن تعيق هذا الصوت.
أساتذتي وزملائي الأعزاء
مثلما يناقش المؤتمر ملفات حرية الصحافة، وتطوير بنيتها التشريعية، فإنه يمتد لبقية الملفات، استكمالًا لدور خاضه مجلس النقابة خلال الفترة السابقة، في بقية ملفات المهنة، فمثلما حاولنا في ملفات الحبس، حاولنا في ملفات استعادة المهنة، فذهبنا إلى كل الأطراف، ولم نترك بابًا مفتوحًا أو منصةً لقول كلمتنا إلا وطرقناها، وجعلنا عمادنا هو التفاوض والتعاون مع كل الأطراف، ومثلما حققنا بعض النجاحات في ملفات الحبس والحجب في البداية، سعينا بكل قوة وبالتعاون مع مؤسسات الدولة المختلفة، وعلى رأسها الهيئة الوطنية للصحافة، برئاسة المهندس عبد الصادق الشوربجي لإطلاق خطة لإحياء المؤسسات القومية واستعادة شبابها، كان على رأس ما تم بها وضع خطة لتعيين المؤقتين، فشكرًا للمهندس عبد الصادق الشوربجي، وتحية خالصة له، فما كان لأي جهد أن يتم إلا من خلال انفتاحه التام على التعاون وتحركاته المخلصة، وقراره بتحمل الهيئة جميع هذه النفقات لاستكمال ما تم الاتفاق والتوافق حوله، وإكمال مسيرة تعيين المؤقتين.
كان علينا أيضًا العمل على استعادة روح مبنى نقابة الصحفيين كبيت لكل الصحفيين، وتجديد خدماته من الداخل، وإعادته فتيًا على نحو ما بدأه بناة هذا الصرح، وأدعوكم جميعًا للتوقف أمام اللوحة النحاسية، التي دونت تاريخ هذا البناء، وسجلت لروح التعاون بين المجالس المتعاقبة، التي كانت دافعنا لنستعيد للمبنى رونقه وروحه، فتم ترميم الواجهات الجانبية كاملة، كما تم استكمال إصلاح الواجهة الأمامية، وعملية ترميم كاملة للخدمات والمعدات داخله، والآن نحن بصدد تنفيذ واحد من أهم المشروعات في تاريخ النقابة، هو رقمنة خدماتها كاملة، كما بدأنا بالتوازي مع ذلك في الإعداد لمشروع ضخم، ربما يشكل علامة فارقة في تاريخ الصحافة المصرية وهو بناء الأرشيف الرقمي للصحافة المصرية منذ عهد محمد علي، وحتى اليوم مستعينين بما لدى النقابة من كنوز كاد الزمن أن ينال منها لنبني أرشيفًا رقميًا لأكثر من 1000 صحيفة صدرت في تاريخ هذا البلد، وأرشيفًا لمبدعيها وصحفييها ونضالهم عبر التاريخ، ولصورها النادرة في مشروع يحاول استعادة عظمة هذه المهنة، ويؤرخ لمحطاتها المختلفة، فشكرًا لكل القائمين على هذه المشروعات، شكرًا لكل أعضاء المجلس، ولفريق العمل بالنقابة، وللقائمين على تنفيذ هذا المشروع بقيادة الدكتور خالد عزب.
زملائي وزميلاتي
إن هدفنا الرئيسي ونحن نستعيد للنقابة دورها، وللمبنى روحه كبيت للصحفيين، ومنصة لكل المصريين للتعبير عن قضاياهم وأحلامهم وأزماتهم، وهو ما ظهر بشكل واضح في مظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني، التي أعادت لسلم النقابة روحه المفقودة، أقول كان هدفنا أن نضع اللبنات الأولى لاستعادة هذه المهنة العظيمة بحضوركم ورؤية كل الفاعلين فيها، ولهذا تم إطلاق المؤتمر السادس للصحفيين نناقش من خلاله حاضرها، وأزماتها ومستقبلها، وطموحات انطلاقها، نناقش هموم المهنة على كل الأصعدة، نناقش أزمة الحريات وأزمة قدرتنا على التحرك، نناقش كل التشريعات التي تعيق حركتنا، ولدينا توصياتنا، وهو نقاش لم يتوقف طوال عمر المجلس الحالي، لكن المؤتمر هو فرصتنا جميعًا لنتحد على كلمة واحدة، ورؤية متكاملة تعبر عنا جميعًا، بمختلف تنوعاتنا لا نفرق بين رؤية وأخرى، ولا بين فريق وفريق، وهدفنا هو مستقبل يليق بهذه المهنة، وبالأجيال القادمة نصنعه معًا مهما كانت حدة اختلافات الرؤى بيننا، لقد حاولنا وحاول مجلس الأمناء أن يجمع كل شتات المهنة داخل بيت الصحفيين، فهذه نقابتنا جميعًا، وليست نقابة فريق دون آخر، وليست نقابة مجموعة دون الأخرى.
الزملاء الأعزاء
إن بداية الطريق للبناء الجديد أو لتصحيح الأوضاع هي الإحاطة بحجم أزمتنا، وإدراك جميع أبعادها، لعام ونصف العام عملنا على توصيف حالنا عبر تواصل مستمر مع كل الأطراف، وعبر أبواب مفتوحة لجميع الزملاء، كانت طريقنا لإدراك عمق الأزمة التي وصلنا إليها، ربما يدرك جميعنا أسباب الأزمة ومسبباتها وتوصيفها، لكن ما رأيناه عبر الأبواب المفتوحة على أنات الزملاء كان أعمق، وكان علينا أن نطرح ونصيغ ذلك بطريقة عملية، فوضعنا ونحن نعد لهذا المؤتمر استبيانًا لقياس ما وصلنا، ولدراسة أوضاعنا بشكل عملي، وكذلك رؤية أصحاب الأزمة للحلول وأزماتها، فجاءت النتائج لتدق العديد من نواقيس الخطر أتمنى أن تصل دقاتها العنيفة لكل القائمين على هذه الصناعة، ولكل القائمين على الأمور والاطراف المعنية، ولكل الحريصين على مستقبلها، لقد جاءت نتائج الاستبيان لتؤكد أننا في أزمة عظيمة، وفي محنة كبيرة ولكنها في الوقت نفسه كشفت اعتزاز الصحفيين بمهنتهم، وحرصهم على استعادتها، والإمساك بتلابيب تطويرها، وهو ما يؤكد أن الحلم لم يفلت منا، وأن أبناء هذه المهنة ما زالوا يحلمون، وما زالوا يضعون التصورات لإنقاذها، وهذا ما ظهر في العديد من النتائج التي سنسردها.. ولكن قبل سردها اسمحوا لي أن أوجه تحية خالصة لكل مَن شاركوا في خروج هذا الاستبيان بصورته الحالية، وعلى الأخص كلٍ من الزميل العزيز سامح محروس، والدكتور أحمد فتحي محمود، وكذلك كل فريق إعداد الاستبيان، في بدايته د. مي مصطفى، والزميلة منى عزت، وكذلك الزميلة الدكتورة شيماء أبو الليل، التي حالت ظروفها وبين استكمال العمل عليها بعد بذل جهود كبيرة في البداية.
وإلى نتائج الاستبيان:
لقد شارك في الاستبيان 1568 زميلًا وزميلة، 88 % منهم من النقابيين، و60 % منهم في الفئة العمرية من 30 إلى 50 عامًا، وما يقرب من 30 % منهم من الزميلات، وجاء المشاركون في الاستبيان تعبيرًا عن كل تنوعات المهنة ومؤسساتها، وهو ما يعزز مصداقية أرقام الاستبيان، التي جاءت لترسم خريطة كاملة لأوجاع الصحفيين الاقتصادية والمهنية.
إن وقفة واحدة أمام محور الأوضاع المالية والاجتماعية للصحفيين ستكشف حجم ما لحق بالمهنة وممارسيها بسبب الأزمة الراهنة، حيث جاء الاستبيان ليقدم أرقامًا مفزعة عن الأجور والفصل التعسفي، وبلغت ذروة المعاناة في أجور الصحفيين، حيث أكد 13,1% من الصحفيين المشاركين في الاستبيان أنهم لا يحصلون على أي أجر بينما كشف 7,1% أن أجورهم تقل عن 1000 جنيه شهريًا، وهو ما يشير إلى أن خُمس ممارسي المهنة (إما يعملون بلا أجر، أو تقل أجورهم عن ألف جنيه شهريًا).
بينما أكد 18,9% من المشاركين في الاستفتاء أنهم يحصلون على أجر أقل من 3000 جنيه شهريًا (وهو ما يعني أن 40 % من الصحفيين إما لا يحصلون على نصف الحد الأدنى للأجور أو لا يحصلون على أجر من الأساس).
من ناحية أخرى، قال 32,7% من المشاركين أنهم يحصلون على أجر أقل من 6000 جنيه شهريًا، فيما كشف 28,2% من الصحفيين أن أجورهم تزيد على 6000 جنيه شهريًا.
ويتضح من النتائج السابقة أن 72% من الصحفيين يعيشون على أقل من الحد الأدنى للأجور المُحدد من الدولة بـ 6000 جنيه شهريًا، وأن 40 % أقل من نصف الحد الأدنى مقابل 28.2% يلامسون الحد الأدنى أو يزيدون عليه.
ونتيجة لكل ما سبق تلجأ شريحة واسعة من الصحفيين تبلغ 40,1% للعمل الإضافي بشكل دائم، وشريحة أخرى تبلغ 24,4% للعمل الإضافي أحيانًا، مقابل 35,5% أفادوا بأنهم لا يزاولون عملًا إضافيًا. ويعنى هذا أن نحو 65,5% من الصحفيين إجمالًا يلجأون للعمل الإضافي لتعويض تراجع مستوى أجورهم، وأكد 30 % منهم أنهم يلجأون لأعمال غير صحفية.
وتكتمل الصورة عبر إحصائيات الاستبيان، حيث أكد 27,4% من المشاركين فيه أنهم تعرضوا للفصل التعسفي، و30,3% منهم أكدوا أنه تم حل مشكلاتهم من خلال التدخلات النقابية، بينما أوضح 69,7% منهم أنه لم تتم حل مشكلتهم.
وتكشف هذه النتيجة عن وجود مشكلة حقيقية في علاقات العمل بالوسط الصحفي، بدليل أن نحو 70% مما تعرضوا للفصل التعسفي لم تنجح جهود إعادتهم للعمل مما يستلزم تدخلًا تشريعيًا يلزم أصحاب الأعمال باحترام حقوق العاملين لديهم.
هذا الوضع انعكس كذلك على أهمية بدل التدريب والتكنولوجيا بالنسبة للصحفيين، ففي ظل هذه الظروف، قال 48,6% من الصحفيين المشاركين في الاستبيان إنهم يعتمدون على بدل التكنولوجيا كوسيلة للإعاشة، بينما أكد 34,2% أنهم يحاولون توزيعه إلى حد ما بين متطلبات المعيشة والعمل، وهو ما يعزز المطالب الخاصة بالجماعة الصحفية بضرورة زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا كإحدى الوسائل للعبور من الأزمة الحالية للمهنة، وتعزيز دورها لحين إصلاح البنيان المؤسسي للمهنة، خاصة أن جانبًا كبيرًا من التدهور الذي لحق بالمهنة تتوزع مسئوليته على العديد من الأطراف، ويعود قطاع كبير منها إلى الظروف الاستثنائية التي مرت بنا جميعًا.
إن مطالب زيادة البدل لا يجب أن تشغلنا أبدًا عن بحث سبل إصلاح الأوضاع الاقتصادية، وزيادة الأجور ضمن حملة من أجل أجر عادل للصحفيين، التي أطلقتها النقابة، ولهذا فإن جانبًا كبيرًا من مخرجات هذا المؤتمر يركز على إصلاح هذه الجوانب، ويقدم رؤية متكاملة من النقابة حول مشروع قانون العمل، الذي يحكم علاقة الصحفيين بالمؤسسات.
إن تدني الرواتب، وارتفاع معدلات البطالة في صفوف الصحفيين هما قضيتان ملحتان، وعلينا أن نسعى إلى بناء نظام يضمن حقوقنا الاقتصادية. كما يجب أن نعمل يدًا بيد على تطوير برامج دعم توافر الحماية اللازمة لجميع الزملاء، وتساعدهم في مواجهة التحديات المالية التي نعيشها اليوم.
الزملاء الأعزاء
إن تطوير العمل النقابي يُعد جزءًا أساسيًا من المطالب. علينا نحن كصحفيين أن نبني نقابة قوية تُعبر عن صوتنا، وتدافع عن حقوقنا. نحتاج إلى هيكل مؤسسي فعّال وقائم على الشفافية، ويستند إلى مشاركة جميع الأعضاء في صنع القرار. إن تعزيز العمل النقابي سيعزز قوتنا كمجتمع صحفي، ويضمن لنا الأمان الاجتماعي والمهني.
إننا أمام خيارين: إما أن نستسلم لتحديات العصر، وإما أن نتحلى بالشجاعة اللازمة لتغيير الوضع الراهن. يجب أن نسعى جاهدين لبناء نموذج إعلامي جديد يعتمد على الشفافية والمصداقية والابتكار.
وإنني أؤكد أنه من خلال التواصل والحوار المفتوح بين النقابة، والأطراف المعنية، يمكننا تحقيق الأهداف التي نسعى من أجلها. يجب أن تكون لدينا الإرادة السياسية والاجتماعية لتغيير القوانين المفروضة، وتحقيق الإصلاحات التي نحتاجها.
بقيت كلمة أخيرة
وهي تحية واجبة لزملاء لنا ضربوا أروع المثل في المهنية والوطنية، والتضحية والفداء، وهم زملاؤنا تحت نيران العدوان الصهيوني في أرض فلسطين الأبية، وهذه التحية جاءت عنوانًا لهذه الدورة "دورة فلسطين".
الأرقام تقول إن ما يقرب من 20% ممن ينقلون الحقيقة في غزة فقدوا حياتهم، وما زال زملاؤهم يعملون، حيث استُشهد أكثر من 194 صحفيًا وعاملًا بقطاع الإعلام، من بين 1000 صحفي يعملون على الأرض في غزة. فاسمحوا لي أن أقدم تحية إجلال وإكبار لـ 194 شهيدًا للصحافة الفلسطينية، الذين ضحوا بأرواحهم خلال العدوان الغاشم على غزة.
إن نقابة الصحفيين المصرية تشدد على موقفها الثابت والدائم ضد التطبيع مع العدو الصهيوني، مؤكدةً أن حظر التطبيع المهني والنقابي والشخصي سيظل مستمرًا حتى يتم تحرير الأراضي المحتلة، وعودة حقوق الشعب الفلسطيني.
إن رفض النقابة لأي شكل من أشكال التطبيع ليس مجرد موقف سياسي، بل هو تعبير عن التضامن الإنساني العميق مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حقوقه المشروعة، وبهذا تكون النقابة جزءًا من الحركة العالمية المناهضة للاحتلال.
زملائي وزميلاتي
إن التحديات التي نواجهها ليست سهلة، ولكن لدينا القوة والإرادة للتغيير. دعونا نكون منارة للأمل في خضم هذه الأزمات. لنعمل معًا على بناء مستقبل أفضل لصحافتنا، مستقبل يضمن حرية الصحافة وكرامة الصحفيين.
الزميلات والزملاء الأعزاء
إن وجودكم هنا اليوم يُعد تجسيدًا للقوة، التي تتمتع بها الصحافة، وللروح التي علينا أن نتمسك بها في مواجهة التحديات، التي تواجهنا.
وفي الختام، إن مطالبنا ليست مجرد شعارات، بل هي واجب يفرضه علينا ضميرنا المهني، والتزامنا تجاه مهنة الصحافة. فلنقف معًا، كفريق واحد، ونعمل على تحقيق هذه المطالب؛ لنسهم في تعزيز مكانة الصحافة الحرة والمستقلة.
ليس أمامنا وسط الألم إلا أن نحلم بالمستقبل، فمن فضلكم تعالوا نتعاون من أجل فتح أبواب الحرية لهذا المستقبل، من فضلكم كما قال الأستاذ هيكل يومًا: "دعوا المستقبل يمر بأمان، ودعوا المستقبل يبدأ الآن قبل فوات الأوان".
دعوني اقدم لكم رسائل نقبائنا السابقين للمؤتمر العام السادس للصحفيين.