بعد مرور عشرين عاما على شروع المغرب في بناء المدن الجديدة لتخفيف الضغط السكاني الذي تعرفه حواضره الكبرى وجّه المجلس الأعلى للحسابات جُملة من الانتقادات لحصيلة هذه المبادرة، موردا أن المدن المحدثة جرى التعامل معها “كتجزئات عقارية”، واقتصرت وظيفتها على “الإسكان”، فيما لم تتخط نسب أعداد سكانها والوحدات السكنية المنجزة بها 20 في المائة من الأهداف المعلنة، موازةً مع عدم تزويدها بمئات التجهيزات الأساسية العمومية المبرمجة.
“تجزئات للإسكان فقط”
أشار المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره السنوي برسم 2023-2024، إلى أن عدم اعتماد أي نص قانوني يهم إحداث المدن الجديدة؛ تامسنا وتامنصورت والخيايطة والشرافات، جعل التعامل مع مشاريع هذه المدن يتم على غرار التجزئات العقارية التي يؤطرها القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، مبرزا أن ذلك يحدث رغم “الاختلاف الواضح في المفهوم والحجم والبعد الديمغرافي بين المصطلحين، والتعقيد الذي يتسم به إحداث هذا النوع من الأشكال الحضرية، وبالتالي الآثار المترتبة عليها”.
وأوضح المجلس ذاته أن الدوريات الوزارية التي اعتمدت لسد الفراغ “قدّمت فقط حلولا جزئية لبعض الإشكاليات المتعلقة بالمدن الجديدة، كالتراخيص الأولية والتسوية العقارية للقطع الأرضية موضوع الشراكات مع القطاع الخاص”.
كما انتقد المجلس الأعلى للحسابات “محدودية” الدور الوظيفي للمدن الجديد، الذي “يقتصر أساسا على الإسكان”، مستحضرا أن “المخطط الحضري للمدينة الجديدة تامسنا ارتكز بالدرجة الأولى على الوظيفة السكنية”، فيما بالنسبة لمدينة تامنصورت “رغم تحديد أدوار وظيفية متعددة سكنية وسياحية وجامعية وذات طابع أخضر فإن المدينة لا تتوفر على مشاريع سياحية أو فندقية أو جامعية”.
أما بالنسبة لمدينتي الخيايطة والشرافات فأوضح المصدر ذاته أن “دورهما يرتبط بشكل أساسي بالمشاريع القائمة”، ذاكرا منها “مناطق النشاط الاقتصادي الواقعة على التوالي بحد السوالم وميناء طنجة المتوسط دون استشراف تمكينهما من لعب أدوار وظيفية جديدة”.
“إنجازات دون الطموح”
منتقلا إلى بسط خلاصات تقييمه حصيلة إنجاز مشاريع المدن الجديدة انتقد المجلس الأعلى للحسابات تعثر هذه الأخيرة، وعدم رقي الحصيلة إلى مستوى الأهداف المرفوعة، موضحا أن عدد سكان المدن الأربع سالفة الذكر لم يتخط إلى غاية نهاية سنة 2023 “ما يناهز 169 ألف نسمة، أي ما يعادل 17% فقط من الهدف المتمثل في مليون نسمة عند نهاية إنجازها”.
كما أورد التقرير السنوي للمجلس أن إجمالي عدد الوحدات السكنية المنجزة بلغ 71.486 وحدة، “أي بنسبة 20% فقط من الهدف المحدد في 350 ألف وحدة سكنية”.
كما انتقدت المؤسسة ذاتها “ضعف النتائج المالية” و”ارتفاع” المخزون السكني غير المسوّق، كاشفة أن “القيمة الإجمالية للاستثمارات المنجزة في المدن الجديدة، حتى نهاية سنة 2023، حوالي 24,4 مليار درهم، أي ما نسبته %58% من الاستثمارات المقررة البالغة قيمتها 42.2 مليار درهم”.
ولفت تقرير “مجلس العدوي” إلى أن إجمالي المخزون في المدن الجديدة بلغت قيمته حوالي 5.9 مليارات درهم، موزع على “مخزون من المنتجات السكنية التي لم يتم تسويقها بقيمة 5.4 مليارات درهم”، وآخر من “التجهيزات العمومية بقيمة 514 مليون درهم”.
وخلال تقييمه إنجاز هذه التجهيزات بالمدن الأربع وقف التقرير عينه على “مجموعة من النقائص”، مبيّنا أن من بين “659 من التجهيزات الأساسية العمومية والخاصة المبرمجة تم بناء 169 تجهيزا فقط، منها 150 مشغلة”، ما يعني وفقه أن نسبة الإنجاز لا تتعدى 26%، فيما نسبة التشغيل تناهز 23%.
وذكّر المجلس ذاته بأنه لتدارك “النقائص” المتعلقة بالتجهيزات تم إبرام اتفاقيات شراكة وتمويل في إطار مخططي إقلاع وتنمية مدينتي تامسنا وتامنصورت على التوالي سنتي 2013 و2014، غير أن جل مشاريع التجهيزات المشمولة بالاتفاقيات الموقّعة مازالت تعرف التأخير أو قيد الإنجاز؛ فيما لم يشرع في إنجاز بعضها كما هو الحال بالنسبة للمركب الجامعي بتمانصورت، وكذا مستشفى بسعة 70 سريرا بالمدينة ذاتها.
أما على مستوى مدينة تامسنا فرغم أن تنفيذ خطة الإقلاع الخاصة بها حُدد له أجل خمس سنوات (2013- 2017) فإنه، إلى غاية شتنبر 2023، “مازالت بعض المشاريع قيد الإنجاز كمركز الندوات والقطب التكنولوجي”، وفق التقرير ذاته.
وعزا المجلس الأعلى للحسابات “تعثر مشاريع المدن الجديدة وحصيلة الإنجازات التي لا ترقى إلى مستوى الأهداف المنشودة” إلى عدة أسباب، “أهمها ضعف الحكامة، وعدم ضبط التعمير في محيط المدن الجديدة، وعدم وضوح الدور الوظيفي، وفشل الشراكة مع القطاع الخاص، وإشكالية تدبير الخدمات العمومية، والتأخر في إنجاز التجهيزات العمومية”.