تواصل المحاكم الإدارية بمختلف ربوع المملكة إصدار قرارات تقضي بعزل رؤساء جماعات ترابية، رفضوا تقديم استقالتهم من تدبير الشأن المحلي، بعدما جرى التصويت على قرار إقالتهم من قبل غالبية مستشاري المجالس التي يرأسونها، خلال الدورة العادية لأكتوبر الماضي، بمقتضى المادة 70 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية، فيما يترقب رؤساء جماعات آخرون اتخذوا الموقف نفسه بت القضاء الإداري في ملفاتهم.
وهكذا، قضت المحكمة الإدارية بأكادير، أمس الخميس، بعزل رئيس جماعة إسافن بإقليم طاطا، بعد أن أحيل عليها أمر رفض المعني تقديم استقالته من طرف عامل الإقليم في أكتوبر الماضي على إثر تصويت الأغلبية المطلوبة بالمجلس على قرار إقالته، فيما يرتقب بت القضاء الإداري بفاس في طلب عامل إقليم تاونات عزل رؤساء ثلاث جماعات قروية هي: مساسة، مزراوة وبني سنوس، موازاة مع بدء المحكمة الإدارية بطنجة النظر في دعوى عامل إقليم تطوان لإقالة رئيس جماعة صيدنة، بعد التصويت على قرار إقالته خلال الدورة العادية لأكتوبر كذلك.
في مقاربتهم تأثير موجة العزل هذه التي تأتي في منتصف الولاية الانتخابية، نبه باحثون مهتمون إلى تداعياتها على وتيرة التنمية بالجماعات المعنية، على اعتبار أن الرؤى قد تختلف بين المقالين ومن يخلفونهم؛ إذ تربك تنفيذ عدد من المشاريع الحيوية بالنسبة للساكنة، على رأسها تلك التي تهم الإنارة العمومية وتعبيد المسالك الطرقية وتبليط الأحياء”، موازاة مع “تأثيرها على المشاريع قيد الشراكة بين هذه الجماعات ومختلف القطاعات الوزارية”.
عرقلة التنمية
قالت مريم أبليل، باحثة في الشأن السياسي والقانون الدستوري، إن “عزل رئيس جماعة محلية في منتصف ولايته، سيكون له بلا شك تأثير على مسيرة تنمية هذه الجماعة”، موضحة أنه “غالبا ما يكون هناك اختلاف في الرؤية بينه وبين خلفه، ما يؤدي إلى تعثر في المشاريع المفتوحة بالجماعة التي يكون تنفيذها متأخرا أصلا نتيحة التجاذبات السياسية بين مكونات المجلس الجماعي”.
وأوردت أبليل، في تصريح لهسبريس، أن “عزل رؤساء الجماعات بمقتضى المادة 70، في نهاية المطاف مؤطر بالقانون، ويكون سليما وجزءا من الممارسة السياسية العادية إذا لم يتكرر بشكل كبير حد أن يصبح ظاهرة”، مردفة بأنه “في السيناريو الأخير، نصبح أمام تعطل حقيقي للمشاريع التي تراهن عليها الساكنة المحلية، والتي تعد تفعيلا لصلاحيات اكتسبتها الجماعات الترابية بعد دستور 2011، في إطار إنضاج تجربتها التسييرية الذي ما زال لم يكتمل”.
وأضافت الباحثة في الشأن السياسي والقانون الدستوري أنه “حينئذ، يتكرس المزيد من فقدان المواطنين الثقة في الجماعات الترابية وقدرتها على تحقيق قدر من حاجياتهم الأساسية”، مشددة على عدم “وجوب استغلال المدخل القانوني لهذا العزل (المادة 70 من القانون التنظيمي للجماعات) لشل الممارسة السياسية الديمقراطية ومصالح المواطنين والمواطنات”.
وشددت على “وجوب التفكير في إيجاد حلول على مستوى القانون التنظيمي تضمن استدامة الممارسة من قبل المستشارين الجماعاتيين في حال عزل الرئيس، بالنظر إلى أنه حين فراغ منصب الرئيس تخلو المساحة بشكل أكبر للمسؤول المعين (القائد، الباشا…)، وهو ما لا يتماشى مع مقتضيات الدستور التي تنص على إيلاء دور أكبر للمنتخب مقارنة مع المعين”.
وأشارت أبليل إلى أن “حدة موجة العزل”، “مرتبطة بضعف التحالفات السياسية الموجودة على مستوى الجماعات”، معتبرة أن “محاولة الأحزاب الثلاثة للأغلبية تنزيل تحالفها الحكومي على مستوى الجماعات الترابية، كان أمرا غير سليم، نظرا لأن هذا التحالف خاضع لمصالح كبرى مشتركة لهذه الأحزاب، لا تلتقي فيها بالضرورة على المستوى المحلي”.
“عواقب المركزية”
قال رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، إنه “من حيث المبدأ، يجب أن تكون التحالفات داخل مجالس الجماعات مبنية على أسس ديمقراطية، وليست خاضعة لتوجيهات مركزية أو حسابات شخصية”، مردفا بأن “تصويت أغلبية المستشارين الجماعيين على إقالة رئيسهم، يعني غياب برنامج تنموي اقتصادي واجتماعي يجمعهم به”.
وأوضح لزرق، في تصريح لهسبريس، أن “ما نشهده من موجة عزل داخل الجماعات الترابية راجع إلى كون التحالفات داخلها أحيانا فوقية أو مركزية، أي تمخضت عن أوامر من السلطات المركزية للأحزاب، أو ترتهن للمصالح الشخصية التي يجدها بعض المنتخبين في انتخاب الرئيس”.
وأكد أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية أن “عدم بقاء رؤساء الجماعات الترابية في مناصبهم يعطل التنمية بها”، مبرزا أن “الصلاحيات الممنوحة للجماعات من الأساس ضعيفة ومحدودة، ولكن هذه الصلاحيات على قلتها تضيع”، موردا أنها “تشمل تهيئة الإنارة العمومية للقرى والأحياء بالنسبة للجماعات الحضرية، وإنجاز وتعبيد المسالك الطرقية، وهي مشاريع حيوية ومهمة بالنسبة للساكنة”.
وأشار لزرق إلى أن “عزل رؤساء الجماعات يؤثر كذلك على تنفيذ البرامج الماكرو-اقتصادية التي تنفذها الداخلية والتجهيز والنقل وغيرها من القطاعات الحكومية بالمناطق المعنية في إطار اتفاقيات شراكة مع هذه الجماعات”، مبرزا أن ذلك “له تكلفة مالية وتنموية؛ بحيث تُضيّع مسطرة العزل، ثم النقاشات والتجاذبات السياسية التي تصاحب ما قبل انتخاب الرئيس الجديد، موارد مالية مهمة بالإضافة إلى الزمن التنموي للجماعات المعنية”.