قال يونس مجاهد، رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون المجلس الوطني للصحافة، إن التحديات التي يعيشها قطاع الصحافة في المغرب، سواء على الصعيد الوطني أو الجهوي، تتطلب مقاربة شاملة تستند إلى سياسات عمومية واضحة ومتكاملة، لافتا إلى أن “اللجنة المؤقتة قدمت رؤى ومقترحات تهدف إلى تطوير المقاولات الصحافية وتجويد أدائها بما يتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة، خصوصا في ظل التداعيات المستمرة لأزمة كوفيد-19 التي أثرت بشكل كبير على القطاع”.
وأكد مجاهد، في تصريح خص به جريدة هسبريس الإلكترونية، عقب اختتام اللقاء المفتوح مع وسائل الإعلام الجهوية بالأقاليم الجنوبية، أن “الحكومة أصدرت مرسوما لتجاوز بعض هذه الإشكالات، لكن الحل لا يكمن فقط في إصدار القوانين، بل في وضع خطة شاملة تستهدف إصلاح القطاع عبر إدماج إجراءات قانونية، إدارية، مالية، وضريبية”، مشيرا إلى أن “تطوير الإعلام يحتاج إلى إرادة سياسية قوية وإجراءات عملية تراعي خصوصية هذا المجال الحيوي”.
كما شدد المتحدث على الوضع الخاص الذي تعيشه الأقاليم الجنوبية للمملكة، حيث تواجه بحسبه تحديات استثنائية، تتمثل في موقعها الجيوسياسي ودورها في التصدي للحملات الدعائية والبروباغاندا الموجهة ضد الوحدة الترابية للمغرب، وزاد: “هذه المنطقة هي في الواجهة الأمامية للمواجهة، ما يتطلب تفكيرا خاصا ومقاربة استثنائية، تلتزم بالقوانين والقواعد المعمول بها، مع مراعاة خصوصياتها وظروفها الخاصة”.
وأكد رئيس اللجنة المؤقتة، في اللقاء المنظم من طرف المجلس الوطني للصحافة بكبرى حواضر الصحراء المغربية، أن النقاشات التي دارت خلال الاجتماعات مع مختلف الفاعلين في القطاع الصحافي ركزت على أهمية تقوية الإعلام الوطني وتعزيز احترافيته، مشيرا إلى أن “الهدف الأساسي هو بناء إعلام قادر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، من خلال الاستثمار في الكفاءات البشرية وتطوير القدرات المهنية للصحافيين”.
وأردف المسؤول الأول على قطاع الصحافة: “اللجنة المؤقتة ستواصل الحوار مع الهيئات المهنية والصحافية، بالتنسيق مع الحكومة، لضمان تحقيق إصلاحات شاملة تخدم القطاع”، موضحا أن “هذا العمل يهدف إلى بناء إعلام وطني قوي، يتميز بالاحترافية والمصداقية، وقادر على نقل صورة حقيقية عن قضايا المملكة وتعزيز مكانتها على الصعيد الدولي”.
واختتم مجاهد حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن تعزيز الإعلام لا يقتصر فقط على معالجة الأزمات المالية والإدارية، بل يتطلب عملا تكامليا يشمل تحسين الظروف المهنية والاجتماعية للعاملين في القطاع، ووضع سياسات تدعم الابتكار وتواكب التحولات الرقمية التي أصبحت من ركائز الصحافة الحديثة.
الإعلام وقضية الصحراء المغربية
في إطار التفاعل المتواصل مع مستجدات قضية الوحدة الترابية للمملكة قال حسن عبد الخالق، السفير المغربي السابق بالجزائر، إن الإعلام المغربي يُعتبر أحد الركائز الأساسية في الدفاع عن القضية الوطنية، وتوضيح أبعادها الإقليمية والدولية، مؤكدا أن “معركة الإعلام ليست مجرد مواجهة خطاب، بل هي مسار تواصلي يهدف إلى إبراز الحقائق التاريخية والشرعية المرتبطة بالصحراء المغربية، في ظل ما يروج له الإعلام المعادي من أطروحات وادعاءات مغلوطة”.
وأوضح حسن عبد الخالق، في مداخلة له بالمناسبة ذاتها، أن “الإعلام الوطني حقق تطورا كبيرا بفضل الانخراط الإيجابي للصحافة الوطنية بمختلف أشكالها؛ فقد استطاعت المنابر الإعلامية مواجهة الأطروحات الانفصالية بشكل متوازن، مستندة إلى الشرعية الدولية والتاريخية التي تؤكد مغربية الصحراء”، مشددا على ضرورة “تعزيز التكوين الإعلامي للصحافيين المغاربة لمواكبة المستجدات، وتقديم المعطيات الدقيقة التي تعكس حجم التنمية والاستقرار في الأقاليم الجنوبية”.
استهداف النظام الجزائري
كما سلط عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال الضوء على “الدور الذي يلعبه النظام الجزائري في استهداف المغرب عبر حملات إعلامية مضللة ومحاولات لزعزعة الاستقرار الإقليمي”، مذكرا بـ”العديد من المحاور التي تفضح الإستراتيجية الإعلامية للنظام الجزائري التي تعتمد على نشر الأكاذيب وتزييف الحقائق بهدف ضرب الوحدة الترابية للمملكة المغربية”.
وسجل المحاضر ذاته أن “النظام الجزائري يستغل وسائل الإعلام العمومية والإلكترونية للترويج لأطروحاته الانفصالية”، لافتا إلى “وجود رقابة صارمة تمنع تناول الموضوعات التي تظهر صورة إيجابية للمغرب”؛ كما استعرض ممارسات مثل منع المواطنين الجزائريين من الحديث علنا عن إنجازات المغرب، مع تسليط الضوء على الحادثة التي جرت سنة 2016 عندما تعرض نائب برلماني جزائري لمضايقات بسبب تصريح إيجابي حول المغرب.
وأكد الدبلوماسي المغربي السابق في مداخلته المعنونة بـ “دور وسائل الإعلام في الترافع على القضية الوطنية” أن “النظام الجزائري يعتمد على آليات تقييد الإعلام الخاص، إذ يفرض قوانين صارمة تحدّ من حرية التعبير وتمنع الترخيص للقنوات المستقلة”، مردفا بأن “الإحصائيات التي وردت بيّنت أن القطاع الإعلامي في الجزائر يرزح تحت رقابة شديدة، ما يجعله أداة لخدمة أجندات النظام السياسية بدل القيام بدوره الإخباري المستقل”.
وفي سياق متصل أشارت محاضرة القيادي في “حزب علال الفاسي” إلى مساهمة وسائل التواصل الاجتماعي في إظهار التنمية التي يشهدها المغرب، خصوصا في المناطق الجنوبية، “ما دفع النظام الجزائري إلى التركيز على التضليل الإعلامي لاحتواء أي تأثير إيجابي قد يصل إلى المواطن الجزائري”، مشيدة بـ”مبادرات المؤسسات المغربية في الدفاع عن الوحدة الترابية وتوظيف أدوات حديثة لإبراز الحقائق على الساحة الدولية”.
الأبعاد السياسية والاقتصادية لمواجهة الأعداء
أبرز حسن عبد الخالق أهمية التركيز على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية التي تُجسدها المشاريع التنموية الكبرى بالأقاليم الجنوبية، مشيداً بمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007 كحل واقعي ومستدام للنزاع الإقليمي؛ كما نوّه بالدور المحوري للمغرب في القارة الإفريقية، الذي يعزز مكانته كفاعل رئيسي في حفظ الاستقرار الإقليمي.
واعتبر السفير السابق أن الإعلام المغربي بحاجة إلى “تطوير إستراتيجيته لمواجهة الآلة الدعائية للنظام الجزائري، التي تُروّج لمغالطات تاريخية”، مبرزا أن “توظيف المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي يُشكل فرصة لنشر الحقائق والتصدي للأخبار الزائفة التي تُستغل للنيل من الوحدة الترابية”.
واختتم حسن عبد الخالق محاضرته بالتأكيد على “أهمية الوعي بالدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في التصدي لمحاولات التشويش الإعلامي”، و”تكثيف الجهود للتعريف بالإنجازات المغربية ومواجهة الأطروحات الانفصالية بالحجة والوثيقة”.
الإعلام الجهوي وتسويق النموذج التنموي
من جانبه قدم الدكتور لحسن حمدات، الباحث في السياسات العمومية، مداخلة علمية حول “دور الإعلام الجهوي في تعزيز وتسويق النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية للمملكة”، وذلك في إطار الندوة الأكاديمية المنظمة من لدن المجلس الوطني للصحافة بهدف إبراز الجهود التنموية المبذولة بهذه المنطقة.
واستعرض الدكتور حمدات السياق التاريخي لإطلاق النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أعلن عنه الملك محمد السادس في السابع من نونبر 2015 بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، موضحا أن “هذا المشروع يعد دينامية سوسيو-اقتصادية متكاملة تستهدف تنمية مستدامة ومسؤولة تشمل قطاعات متعددة، مع مراعاة التوازن بين خلق الثروات وتحسين ظروف عيش الساكنة المحلية”.
وأكد الباحث الأكاديمي ذاته أن “هذا المشروع التنموي بحاجة ماسة إلى مواكبة إعلامية مهنية تسلط الضوء على المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية، مثل تشييد البنية التحتية المتطورة، وإنشاء المدارس والمعاهد والجامعات، فضلا عن تعزيز شبكات الطرق والموانئ”، مشددا على ضرورة “تطور الإعلام الجهوي ليتجاوز أسلوب التغطيات الإخبارية التقليدية، مع الاعتماد على التسويق الاحترافي للمنجزات بمختلف اللغات، بما يتماشى مع المتغيرات التكنولوجية العالمية”.
وأشار الدكتور حمدات إلى أن “الإعلام الجهوي يشكل اليوم رافعة أساسية لتعزيز الديمقراطية المحلية وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، فضلا عن كونه آلية فعالة لجذب الاستثمارات والمساهمة في تنمية السياحة”؛ كما دعا إلى “توفير الدعم المالي والتأطير المهني للشباب الإعلاميين، إلى جانب الانفتاح على تجارب الدول الرائدة في هذا المجال، مع التركيز على إنتاج محتوى إعلامي مبتكر قادر على تعزيز مكانة الأقاليم الجنوبية كصلة وصل بين أوروبا وإفريقيا”.
واختتم الباحث الصحراوي مداخلته بـ”الدعوة إلى تعزيز دور الإعلام الجهوي كوسيط تنموي حقيقي بين صانعي القرار والمواطنين”، مؤكدا أن “هذا النوع من الإعلام يمكن أن يكون عنصرًا فاعلا في إنجاح النموذج التنموي الصحراوي وتحقيق أهدافه الكبرى”.
توصيات اللقاء المفتوح
خلال النقاشات التي أعقبت اللقاء المفتوح مع القائمين على المجلس الوطني للصحافة دعا الصحافيون وممثلو وسائل الإعلام الجهوي بالأقاليم الجنوبية إلى تعزيز دور الإعلام الجهوي في دعم وتسويق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، كما أوصوا بضرورة توفير تكوينات متخصصة للصحافيين الشباب في مجالات الإعلام الرقمي والتسويق الترابي، بما يواكب التحولات التكنولوجية المتسارعة.
كما شدد المتدخلون على أهمية إحداث شراكات مع المؤسسات الوطنية والدولية لتطوير الكفاءات الإعلامية المحلية، وضمان الحق في الوصول إلى المعلومات الموثوقة، مؤكدين على ضرورة تقديم دعم مستدام للمقاولات الإعلامية الجهوية، مع التركيز على إنتاج محتوى متعدد اللغات يسهم في تعزيز جاذبية المنطقة لدى المستثمرين والسياح، ويعكس الدينامية التنموية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية.
" frameborder="0">