تفاعل الإعلامي المغربي المقيم بإيطاليا زهير الواسيني مع تصريحات عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بشأن قضية الصحراء المغربية، واصفا موقفه بـ”المتجمد” والحل الطوباوي، الذي لا يتماشى مع التحولات الجيوسياسية والاقتصادية الحالية.
وبعد ما ذكّر رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالبعد الإقليمي للصراع، ودور الجزائر المحوري فيه، أكد الإعلامي الواسيني أن الحل الأنسب لأزمة الصحراء هو “الحكم الذاتي”، الذي يضمن الاستقرار والتنمية دون التفريط في السيادة الوطنية.
وأضاف أن العالم الآن يعتمد على الواقعية السياسية، ويجب على جميع الأطراف، بما فيها الجزائر، الانتقال من المواجهة إلى التعاون من أجل بناء مستقبل أكثر استقرارًا.
وهذا نص المقال:
شاهدت مؤخرًا بودكاست للدكتور عزيز غالي، عبّر فيه عن مواقف وآراء مرتبطة بالصحراء الغربية المغربية يمكن وصفها بأنها صادمة للبعض ومتجاوزة بالنسبة لمن يدرك أن العالم تغيّر، وأن التعقيدات الجديدة تتطلب رؤية واقعية تتجاوز الشعارات الأيديولوجية التقليدية. بدا واضحًا أن الدكتور غالي ينتمي إلى عالم تسكنه رواسب أيديولوجية قديمة، تحجب القدرة على قراءة التحولات الكبرى التي باتت تشكّل ملامح واقعنا الحالي.
في البداية، لا بد من التأكيد على حق الدكتور عزيز غالي، كما أي شخص آخر، في التعبير عن آرائه وتصوراته بكل حرية. فهذا حق مكفول ومشروع، بل يعزز النقاش العام ويدعم التعددية الفكرية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن التركيز الحصري على حق تقرير المصير كأولوية مطلقة لحل أزمة الصحراء، كما يدعو إلى ذلك الدكتور غالي، يبدو في سياق اليوم وكأنه انعكاس لرؤية متجمدة وغير قادرة على مواكبة التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم.
القضية في الصحراء الغربية المغربية تجاوزت إطار الشعارات المثالية منذ زمن طويل، لتصبح واحدة من أعقد النزاعات التي تتطلب حلاً واقعيًا يأخذ بعين الاعتبار المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي. طرح الحكم الذاتي كحل سياسي يعكس هذا الفهم، فهو محاولة لتجاوز الخطابات التي عفا عليها الزمن والبحث عن مخرج عملي يتوافق مع تطلعات سكان المنطقة ويحفظ السيادة الوطنية.
ولكن يبدو أن الدكتور غالي، في حديثه، سواء عن قضية الصحراء أو عن قضايا أخرى، يعيدنا إلى الماضي بشعارات ربما كانت مفهومة في زمن معين، لكنها الآن غير قادرة على تقديم أي رؤية حقيقية أو حل ملموس. التركيز على حق تقرير المصير، مثلا، كمبدأ جامد لا يأخذ في الحسبان الظروف الإقليمية والدولية الحالية هو في الحقيقة دعوة لاستمرار الأزمة بدلاً من حلها.
لعلّ النقطة التي غابت عن حديث الدكتور غالي، أو ربما اختار تجاهلها، هي البعد الإقليمي للصراع، ودور الجزائر المحوري فيه. الصراع بين المغرب والجزائر ليس مجرد خلاف عابر، بل هو مواجهة أيديولوجية وسياسية عميقة على النفوذ والهيمنة الإقليمية في شمال إفريقيا.
الجزائر، التي تدعم جبهة البوليساريو تحت ذريعة الدفاع عن حق تقرير المصير، تتبنى في الحقيقة استراتيجية تهدف إلى إضعاف المغرب وتثبيت نفوذها كقوة إقليمية مهيمنة. هذا الدعم لم يكن يومًا بدافع إنساني أو مبدئي، بل هو جزء من لعبة إقليمية أعمق، تجعل قضية الصحراء مجرد واجهة لصراع أيديولوجي طويل الأمد.
استمرار هذا الصراع على هذا النحو، والتصعيد المستمر في العلاقات المغربية الجزائرية، يهدد المنطقة بأسرها، ويجعلنا نستشرف احتمال اندلاع مواجهة عسكرية بين الطرفين. وهذا هو الخطر الأكبر والحقيقي الذي يجب التفكير في كيفية نزع فتيله. الصحراء المغربية ليست مجرد قضية محلية أو نزاعًا داخليًا، بل هي جزء من لوحة إقليمية معقدة، حيث التنافس على السيطرة لا يخدم أي طرف، بل يعرقل الاستقرار ويهدد التنمية.
في هذا السياق يصبح الحكم الذاتي مقترحًا عمليًا، بل هو الخيار الوحيد الذي يمكن أن يحقق توافقًا بين جميع الأطراف. هذا الحل يتيح لسكان الصحراء إدارة شؤونهم بأنفسهم ضمن إطار السيادة المغربية، ويضمن تحقيق التنمية والاستقرار في المنطقة.
إن التمسك بحلول طوباوية مثل تقرير المصير، دون الأخذ بعين الاعتبار التعقيدات الإقليمية والدولية، لن يؤدي إلا إلى استمرار الأزمة. فالعالم اليوم يُدار بمنطق الواقعية السياسية، وليس بمنطق الأيديولوجيات القديمة التي لم تعد صالحة لفهم التحولات الكبرى.
لا شك أن احترام التعددية الفكرية واجب، لكن النقاش حول قضية الصحراء يجب أن يخرج من إطار الشعارات إلى مساحة الواقعية. الحل الوحيد الذي يمكن أن يحقق السلام والاستقرار هو الحكم الذاتي، الذي يجمع بين حقوق ساكنة الصحراء ومتطلبات السيادة الوطنية، والتي لا يمكن أن تغيب عن فهم الدكتور الغالي.
أما الجزائر فيتحتم عليها مراجعة سياساتها الإقليمية، والاعتراف بأن دعمها لجبهة البوليساريو لم يحقق أي مكاسب حقيقية سوى تأجيج الصراع. المطلوب اليوم هو الانتقال من الصراع إلى التعاون، ومن المواجهة إلى الحوار، من أجل بناء مستقبل أكثر استقرارًا لشمال إفريقيا بأكمله. هذا التصور قد يغيب عن الدكتور عزيز غالي والبعض من أمثاله، الذين أعمتهم الأيديولوجيا عن قراءة الواقع كما هو وليس كما يجب أن يكون.
إن مشكلة الدكتور غالي وآخرين هو أن الأيديولوجيا تعطي كثيرا من الأجوبة الجاهزة عن عالم مركب بطبيعته. وأي عملية لفهم الواقع لا بد أن تمر من تفكيك دقيق وبراغماتي لهذا الواقع حتى لا نسقط فيما سقطت فيه الكثير من الدول التي حكمتها أنظمة ومنظمات يعشقها الدكتور غالي. وشرح الواضحات من المفضحات.