ثغرةٌ قانونية مستمرة تفتح الباب للإضرار بموروث ثقافي للإنسانية بالجنوب المغربي، يستنكرُ علماء آثار وجامعيّون وجمعويّون محافظون على التراث الأثري عدم تعديلها في مشروع القانون الجديد المتعلق بحماية التراث الثقافي والتراث الطبيعي والتراث الجيولوجي.
جاء هذا في بيان استنكاري مشترك وقعه كل من: المرصد الوطني للتراث الثقافي، جمعية ميران لحماية الآثار، مركز الساقية الحمراء لحماية الآثار وتثمين التراث، المركز الوطني للواحات، جمعية أمنير، مركز موكادور للدراسات والأبحاث، مركز عبد الرحمان الركاز للأبحاث والدراسات، مرصد أنطي للدراسات والأبحاث، جمعية جبل بني سمير للسياحة والبيئة، جمعية الأطلس الصغير الغربي للسياحة الجبلية بوطروش بسيدي إفني، مركز أكلو للبحث والتوثيق، وجمعية الطبيعة مبادرة، والجمعية المغربية للتراث.
واستنكر الفاعلون “تغييب التراث الصخري” من نقوش ورسوم صباغية تعود إلى فترة ما قبل التاريخ وما قُبَيله، قائلين إن عدم تسميته بشكل واضح “يُعتبر انتقاصا من أهميته، وهو ما يفتح المجال أمام المزيد من الإهمال والتخريب، الذي تعرضت له عدة مواقع للفنون الصخرية والمقابر الجنائزية لثقافات ما قبل الإسلام (…) بسبب عدم التنصيص الصريح (…) على إلزام المقاولات الفائزة بصفقات المشاريع أو المستغلة للمقالع بتقديم دراسة الأثر حول التأثيرات المحتملة على المواقع الأثرية”.
واسترسل البيان المشترك: “استبشر العديد من المهتمين بالتراث الثقافي بالمصادقة الأخيرة للمجلس الحكومي على مشروع القانون رقم 33.22 الذي جاء في سبعة أجزاء و129 مادة. غير أن الاطلاع على النص المقترح كشف عن غياب صادم لذكر ‘مواقع النقوش الصخرية والرسوم الصباغية الصخرية’ نهائيا، التي يفوق عددها 800 موقع على الصعيد الوطني، واكتفى التعريف فقط بالتراث غير المنقول والتطرق للمواقع الأثرية، والمعالم أيا كان طرازها وكذا المناظر”.
وذكر العلماء والفاعلون المدافعون عن التراث الثقافي، الذي ليس مغربيّا فقط بل جزءا من تراث الإنسانية، إن في هذا التوجه “تراجعا خطيرا عن الالتزام بحماية أحد أهم أشكال التراث الثقافي في بلادنا، إذ إن الفنون الصخرية ليست مجرد رسومات وعلامات على الحجارة؛ بل إنها ذاكرة موغلة في القدم، تحمل شواهد وحقائق فريدة عن حياة الأجداد وأفكارهم وأشكال تعبيرهم عن الذات والطبيعة، وتبين عراقة ثقافة وتراث المغرب”.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية قال الإمام دجيمي، نائب رئيس جمعية أمنير باحث في التراث، إن “الجمعيات الموقعة تجمع علماء آثار، ومهتمين بتاريخ ما قبل التاريخ، وموروث النقوش والرسوم الصخرية؛ يستغربون عدم إدراج النقوش الصخرية والرسوم الصباغية الصخرية، التي ليست فقط موروثا وطنيا بل هي موروث إنساني، تنبغي حمايته وتثمينه”، وزاد: “نطالب بذلك في جميع ملتقياتنا الوطنية والدولية، لإصدار قانون يحمي النقوش الصخرية والرسوم الصخرية”.
ثم أضاف المتحدث: “جاء هذا البيان المشترك بعد تخريب وتدمير وسرقة للمواقع، علما أن فضل الحماية كان لجمعيات المجتمع المدني بتمويل ذاتي، باستثناء تمويلَين لجرد مواقع النقوش الصخرية. وكل هذه الجمعيات تشتغل للتعريف بهذا الموروث والحفاظ عليه وحمايته، ويوجد انخراط لوزارة الثقافة في شخص المديرية السابقة للتراث في عملية الجرد والحماية للموروث الإنساني”.
ووضّح المصرّح ذاته أن “الإشكال هو التقصير القانوني بعدم النص صراحة على اسم النقوش الصخرية والرسوم الصباغية الصخرية؛ ما يدع القانون فضفاضا، ويفتح الباب لاستمرار الإجرام في حق الموروث”، وتابع: “أما النص على النقوش والرسوم الصباغية الصخرية فيغلق باب التأويل، لأن مسها سيعتبر إجراما في حق هذا الموروث الإنساني”.
يذكر أن الهيئات المدنية طالبت بـ”إدراج مواقع الفنون الصخرية، خاصة تلك المرتبطة بالذاكرة الجماعية والعادات والأساطير، ضمن التعريفات القانونية بشكل صريح، وضمان حمايتها ضمن النصوص القانونية الجديدة، مع بقية العناصر الأثرية الموازية لها، مثل المعالم الجنائزية لفترات ما قبل التاريخ وما قُبَيل التاريخ، والصناعات الحجرية، وبقايا الخزف، وشظايا بيض النعام المنقوش”؛ ونادت أيضا بـ”الحفاظ على المكتسبات السابقة، بما في ذلك الفهرس الوطني لجرد مواقع الفنون الصخرية، وضرورة تحيينه عاجلا بعد مرور قرابة نصف قرن من صدور آخر فهرس عام 1977″، مع “تعزيز الآليات الرقابية والقانونية لحماية مواقع الفنون الصخرية من التدمير أو الاستغلال غير المشروع، والتنصيص الصريح في مشروع القانون على إلزام المقاولات التي تفوز بصفقات المشاريع أو المستغلة للمقالع بتقديم دراسة الأثر حول التأثيرات المحتملة للأشغال على المواقع الأثرية والتاريخية بغض النظر إن كانت مقيدة أو مرتبة في عداد الآثار أم لا”.
كما نبهت الجمعيات ذاتها إلى ضرورة “دعم البحث العلمي والميداني المخصص لدراسة وتوثيق مواقع الفنون الصخرية، لضمان استدامتها للأجيال القادمة، وتوفير الوسائل اللوجستية والوسائل البشرية للمصالح الخارجية المختصة بجرد ودراسة وحماية مواقع الفنون الصخرية، علما أنه ولا قسم ولا مصلحة منها تتوفر على سيارة مصلحة، زد على ذلك الخصاص المهول على مستوى الأطر”؛ قبل أن يجدد الموقعون التزامهم بـ”الدفاع عن تراثنا الوطني ضد كل أشكال الإهمال والتهميش” مع دعوتهم “وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، من خلال مديرية التراث الثقافي، إلى تحمل مسؤولياتها تجاه هذا الإرث الذي يعبر عن هويتنا الحضارية وماضينا المشترك”.