دفعت التصريحات الأخيرة لرئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (تحظى بصفة المنفعة العامة)، التي اعتُبرت خروجًا عن الإجماع الوطني حول قضية الوحدة الترابية للمملكة، نشطاء أمازيغ إلى إعادة إثارة موضوع منع الدولة مشاريع تأسيس الأحزاب ذات المرجعية الأمازيغية مقابل السماح لتنظيمات أخرى، تتخذ مواقف عدائية ضد الوحدة الوطنية، بالتواجد والتحرك بكل حرية على الساحتين السياسية والحقوقية.
ويؤكد النشطاء الذين تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية حول هذا الموضوع أن تصريحات غالي تفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول مدى التزام الدولة بتطبيق قوانينها على الجميع، وحول معايير التساهل مع بعض التنظيمات (مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وحزب النهج الديمقراطي العمالي)، رغم مواقفها المثيرة للجدل، مقابل تشديد الخناق على المشاريع التي تدافع عن الهوية الوطنية والخصوصيات الثقافية المغربية، منددين في الوقت ذاته بغياب المساواة وتكافؤ الفرص بين الحركة الأمازيغية وتيارات “القومية العربية”.
ازدواجية معايير
قال حميد بوهدا، محامٍ وعضو مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي: “إن الدستور المغربي يؤكد في تصديره أن المغرب دولة ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية التي تُعد مسألة مقدسة بالنسبة للمغرب ولا يُقبل المساس بها، وجعلها معيارًا أساسيًا في إدارة علاقاته الدولية؛ ثم يأتي رئيس جمعية حقوقية تتمتع بصفة المنفعة العامة ليُعبّر عن موقف يضرب الإجماع الوطني حول هذه القضية”.
وأضاف بوهدا: “نحن هنا لا نناقش الجمعية من حيث مواقفها الحقوقية ولا الأدوار التاريخية التي لعبتها في الدفاع عن حقوق الإنسان في المغرب، لكن حقوق الإنسان لها حدود وسقفها هو الوطن. وعزيز غالي هو مواطن مغربي قبل أن يكون حقوقيًا، وهنا نتساءل: هل يسري الدستور فعلاً على الجميع أم لا؟”.
وأوضح المصرح لهسبريس أن “الحزب الديمقراطي الأمازيغي، على سبيل المثال، تم حظره بمقتضى الدستور وقانون الأحزاب، رغم أن أدبيات الحركة الأمازيغية تؤكد على استحالة قيام أي كيان في الصحراء المغربية؛ وفي المقابل يُسمح لحزب النهج والجمعية المغربية لحقوق الإنسان كامتداد له بالحضور في الساحتين السياسية والحقوقية كتنظيمين قائمي الذات، وعقد الاجتماعات والندوات واللقاءات بكل حرية ودون أي منع أو ملاحقة، رغم أنهم يشككون في مغربية الصحراء ويمثلون صوت الجبهة الانفصالية في الداخل”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “الدولة يجب أن تقطع مع هذه الازدواجية، لكي تسري قواعد الدستور على الجميع بدون تمييز، وإلا يجب إعادة النظر في المقتضيات التي تمت بموجبها مواجهة تأسيس الأحزاب ذات المرجعية الأمازيغية، التي تدافع عن القيم الأمازيغية المغربية. وهذه الأحزاب ليست عرقية كما يُروج لها، وإنما ترفض الفكر القومي العربي وكل الأفكار الأجنبية، وتُعطي أولوية لقضايا الوطن على أي قضايا أخرى”.
وخلص عضو مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي إلى أن “الاختلاف في البرامج وحتى مع السياسات العمومية أمر محمود يُثري النقاش العمومي ويساهم في تجويده، لكن الاختلاف حول قضية الوحدة الترابية أمر غير مقبول، ولا تقبله حتى أعتى الديمقراطيات الغربية، بما في ذلك إسبانيا، التي نزّل جيشها إلى شوارع إقليم كاتالونيا عندما عبّر هذا الإقليم عن رغبته في الاستقلال عن التاج الإسباني، بل ولاحقت قادة هذا الإقليم بعدما دعوا إلى تنظيم استفتاء حول تقرير المصير”.
أفكار خطيرة
عبد الله بوشطارت، باحث في الثقافة الأمازيغية، قال: “كنا دائمًا نقول إن أفكار القومية العربية التي اكتسحت المغرب خلال العقود السابقة وترسخت في الفكر السياسي المغربي، خاصة داخل تيارات وتنظيمات اليسار بكل تلاوينه الجذري والمعتدل، تسببت في آلام وجراح كثيرة، لاسيما في ما يخص تدمير الهوية الوطنية والثقافية للمغرب، وأيضًا استهدافها اللغة الأمازيغية”.
وتابع بوشطارت: “لا ننسى أيضًا تماهي تنظيمات اليسار القومي العربي مع الأساطير المؤسسة لجبهة البوليساريو، التي صنعتها الأنظمة العربية الاشتراكية والبعثية والناصرية في الشرق، قصد تفكيك الوحدة الترابية للمغرب الأمازيغي الإمبراطوري، الذي شكّل عقدة تاريخية لأنظمة الشرق، منذ الصراع التاريخي بين الأمويين والمغاربة الأمازيغ، وأيضًا الصراع بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية المغربية التي حافظت على استقلالها التام عن العثمانيين”.
وأشار المتحدث لهسبريس إلى أن “القوميين العرب كانوا يطمحون إلى تفكيك وحدة المغرب وتذويبه في إطار مشروع خطير يسمى ‘الوطن العربي’؛ لذلك أسّسوا ودعموا ميليشيات مسلحة في الصحراء المغربية الأمازيغية باسم جمهورية عربية وهمية”، وزاد: “واليوم، بعد سقوط أنظمة البعث العربي في الشرق، بقي فلول القومية العربية في المغرب، لاسيما التيارات المتطرفة المحدودة عددًا وفكرًا، تحنّ لهذه الأفكار الخطيرة وتعتبرها إيديولوجية مقدسة؛ وهي أفكار متحجرة لا تختلف عن أفكار الإسلاميين المتطرفين، لأن هؤلاء لا يؤمنون بالاختلاف ولا بالتعددية ولا بخصوصيات المغرب الثقافية، وبقيت لهم قضية فلسطين يستغلونها لتشييع أفكار العروبة والقومية العربية”.
في المقابل سجل الفاعل الأمازيغي ذاته أن “الحركة الأمازيغية استطاعت علميًا وسياسيًا وفكريًا وتاريخيًا أن تهدم الأسس الفلسفية والفكرية والسياسية لهذه الأفكار، من خلال معارك فكرية ونقاشات ونضالات استمرت لسنوات طويلة في الدفاع عن الأمازيغية والتعددية والاختلاف، وعن ضرورة القطيعة بين المغرب والشرق وأفكاره وصراعاته المذهبية والطائفية والعرقية والدينية”، مشددا على أن “المغرب كيان حضاري وثقافي مستقل عن المشرق، له تاريخ عريق وخصوصيات لابد من العناية بها والاعتراف بها وتثمينها”.
وتابع المصرح ذاته: “لكن للأسف لا توجد مساواة وتكافؤ الفرص وموازين القوى بين الحركة الأمازيغية، رغم قوة فكرها وخطابها ومشروعيتها، وبين تيارات العروبة والقومية العربية، خاصة اليسار الجذري، الذي يهيمن على أحزاب سياسية وجمعيات حقوقية تتمتع بترخيص من السلطات وتستفيد من الدعم والإعلام وغيرها؛ في حين أن كل مشاريع تأسيس الأحزاب ذات المرجعية الأمازيغية الثقافية تعرضت للمنع من طرف السلطة، رغم المواقف الواضحة والصريحة لهذه المشاريع من القضايا الوطنية، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية، التي تترافع عنها الحركة الأمازيغية انطلاقًا من منطلقات علمية وتاريخية وثقافية أركيولوجية متينة تهدم بشكل علمي وهم وجود ‘شعب عربي’ في الصحراء الأمازيغية”.