أخبار عاجلة
وفاة اللواء رؤوف السيد رئيس حزب الحركة الوطنية -
كولر يحذر الأهلي: الاحتفالات انتهت.. القمة تنتظر -

من يمتلك القصيدة: الشاعر أم القارئ؟

من يمتلك القصيدة: الشاعر أم القارئ؟
من يمتلك القصيدة: الشاعر أم القارئ؟

الأحد 22/سبتمبر/2024 - 08:26 م 9/22/2024 8:26:15 PM

فى الفيلم الإيطالى الشهير Il Postino «ساعى البريد» (1994)، يقوم ساعى البريد فى قرية إيطالية صغيرة بإهداء فتاة يحبها قصيدة يدّعى أنها من تأليفه، بينما هى فى الواقع من إبداع الشاعر التشيلى المنفى بابلو نيرودا. عندما وبّخه نيرودا على هذا الفعل، رد الشاب قائلًا: «فقط لأنك كتبت القصيدة، لا يعنى أنها ملكك. الشعر ينتمى إلى أولئك الذين يحتاجون إليه.»
قد يدهشنا هذا الرد فى عصرنا الذى يحمى حقوق الملكية الفكرية بقوانين صارمة، ولكن كلمات ساعى البريد تفتح بابًا للتأمل فى مسألة ملكية الشعر. فمن يملك القصيدة حقًا؟ هل يملكها الشاعر الذى أبدعها؟ أم القارئ الذى يتفاعل معها، ويجعلها جزءًا من حياته، ورمزًا لتجاربه وأحلامه؟ لمن تنتمى رائحة الوردة؟ هل هى للشجرة التى تطرحها، أم للعابر الذى يتنفس عبيرها ويسعد به؟
فى كتابه «الكتابة والتناسخ»، يستشهد الناقد المغربى عبدالفتاح كيليطو بحادثة طريفة عن الموسيقار الشهير وولفغانغ أماديوس موزارت، الذى تنازل طوعًا عن بعضٍ من أعظم أعماله لصديق مبتدئ. هذا الفعل يعكس فكرة أن الإبداع قد يتجاوز مسألة الملكية الشخصية، ليصبح مشاعًا بين الناس.
فى التراث العربي، تناول النقاد هذا السؤال منذ قرون. ابن رشيق (ت. 1070 (1071/، أحد أبرز نقاد الأدب فى العصر العباسي، أشار فى كتابه «العمدة» إلى أنواع مختلفة من السرقات الادبية، منها الاصطراف، ويتفرع إلى اجتلاب أو استلحاق، وإلى انتحال، ثم الإغارة، فالغصب، فالمرافدة. وفى هذه الأنواع جميعا، يكون النص المسروق حاضرا بعينه لفظا ومعنى فى منتوج الشاعر. وأضاف أن الشاعر قد يتنازل عن بيت شعرى لشاعر آخر بمحض إرادته. هذا التصرف يعكس فهمًا أكثر تعمقًا للعلاقة بين الإبداع والملكية الأدبية، حيث لا يُنظر إلى القصيدة على أنها ملكية خاصة بل حساب مشترك فى بنك الابداع، إرث جماعى تتناوبه الاجيال.
لم تكن الحدود التى تفصل بين الاقتباس المشروع والسرقة مجرد مسألة قانونية فحسب فقد أثارت تساؤلات حول مدى اعتماد الشاعر على أعمال غيره، وأين يكمن «تعالق النصوص» ومتى يبدأ الإبداع الفردى.
فى السياق الغربي، قدّم الناقد الأدبى هارولد بلوم مفهوم «الانحراف» (clinamen) لفهم هذه العلاقات الشعرية. مستندًا إلى الفيلسوف الرومانى لوكريتيوس (ت. 51 ق.م.)، الذى يشير إلى انحراف الذرة عن مسار الاخرى وهذا الانحراف هو الذى يجعل التغيير فى الكون ممكنًا. طبّق بلوم هذا المفهوم على الشعر، مشيرًا إلى أن الشاعر ينحرف عن مسار سابقه المبدع ليصنع تصحيحًا أو تغييرًا فى اتجاه قصيدة جديدة. وهذا «الانحراف» هو ما يجعل الإبداع الشعرى مميزًا وأصيلًا، ويشكل فى نفس الوقت استجابة إبداعية للقصائد السابقة.
وكما أنّ الشعر قد يصبح ملكًا لمن يحتاج إليه، كذلك يمكن للشاعر أن ينحرف عن أسلافه ليبدع شيئًا جديدًا ينتمى إلى زمنه وتجربته.
 

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق السياحة تبحث سبل زيادة أعداد السياح الفرنسيين خلال المشاركة بمعرض TOP RESA
التالى «القاهرة الإخبارية»: أنباء عن استهداف قيادي بارز في حزب الله ببيروت