فيما تلجأ غالبية المقاهي المغربية إلى إعطاء الأولوية لعرض مباريات الدوريات الأجنبية المحترفة لكرة القدم أو المنافسات القارية، على مباريات البطولة الوطنية، بالنظر إلى ارتفاع “جاذبية” الأولى لدى عشاق كرة القدم المغاربة مقارنة بالثانية، باتت بعض المقاهي في الآونة الأخيرة تمتنع بصفة قطعية عن عرض منافسات الدوريات المغربية، مع لجوء جزء منها إلى إشهار لافتات على الواجهة تخبر الزبائن بهذا الاختيار.
قرار هذه المقاهي، الذي يبدو أنه يلاقي تفاعلات متباينة، مؤيدة ومعارضة، من متابعي كرة القدم بالمغرب، وفقا لما أكدته التعليقات على المنشورات التي تداولت اللافتات سالفة الذكر، قسم آراء خبراء في الشأن الرياضي؛ إذ رده قسم من هؤلاء إلى عوامل متحدة، تتمثل أساسا في “رداءة جودة مباريات البطولة الوطنية مقارنة بنظيرتها الأجنبية، والسلوكيات الحادة والعنيفة التي تبدر من مشجعي الفرق المحلية بالمقاهي خلال عرض مباريات هذه الفرق”، وكذا “عدم وجود ناقل موحد لمباريات كافة الدوريات التي يهتم بها المشجع المغربي”.
في المقابل، يتمسك قسم آخر بأن “تدني الإقبال على متابعة مباريات الدوريات المغربية هو ما حفز هذه المقاهي على الامتناع عن بثها أساسا”، مرجعا هذا التدني إلى “ضعف الأداء والتحكيم خلال هذه المباريات”.
عوامل مركبة
قال مصطفى الهرهار، خبير في الشأن الرياضي، إن “امتناع مقاه مغربية عن بث مباريات البطولات الوطنية هو نتيجة حتمية لاتحاد عدد من العوامل، على رأسها تدني الإقبال على متابعتها من طرف المتابعين المغاربة”، موضحا أن “هذا التدني راجع إلى وجود برمجة غير مضبوطة، وتورط مجموعة من رؤساء فرق كبيرة في فضائح عدة، كتذاكر المونديال، ما أفقد هذه المنافسات مصداقيتها بالنسبة لهؤلاء المتابعين، فضلا عن ضعفها وعدم تنافسيتها مقارنة بالدوريات الأجنبية”.
وأضاف الهرهار، في تصريح لهسبريس، أن “بعض هذه الدوريات من الممكن أن تجد برمجتها لسنتين مقبلتين موجودة”، مبرزا أن “ما يهم أصحاب المقاهي هو الربح في نهاية المطاف، ولذلك لا يمكنهم أن يعرضوا مباراة محلية ليتابعها شخص أو شخصان”.
وأبرز الخبير في الشأن الرياضي أن “في ظل عدم وجود ناقل موحد لمجموعة من الدوريات التي تحظى باهتمام المغاربة، من ضمنها الإسباني والسعودي والبريطاني، لا يمكن لصاحب المقهى شراء عدة شاشات تلفزة بما يضمن تلبية رغبات أكبر قدر ممكن من الزبائن”، مؤكدا أنه “مع ضعف تنافسية المباريات المحلية، فمن الطبيعي أن تكون الأفضلية في المقاهي لتلك الأجنبية”.
وأشار الهرهار إلى “مساهمة واضحة للسلوكيات التي تصدر من مشجعي الفرق المحلية خلال متابعتهم مباريات البطولة الوطنية داخل المقاهي في دفع بعض أرباب هذه الأخيرة إلى الامتناع عن نقل هذه المباريات”، موردا: “عاينت خلال بث أحد مقابلات الجيش الملكي قيام أحد مشجعي هذا الفريق بكسر طاولة في مقهى بعد تسجيل هدف عليه”، مبرزا أن “هذه خسارة حقيقية لصاحب المقهى الذي يسعى من وراء بث المباريات إلى الربح”.
كما استحضر الخبير في الشأن الرياضي، “صدور ألفاظ عنيفة وخادشة للحياء من طرف عدد من مشجعي الفرق المحلية، من بينهم قاصرون، داخل المقاهي خلال مشاهدتهم مباريات فرقهم، بل إن من بينهم من يقوم بترديد الأغاني الخاصة بفريقه بصوت مرتفع داخل المقهى، ما يشكل مصدر إزعاج للزبائن الآخرين”. وخلص إلى أن “هذه الممارسات غير المقبولة دفعت ببعض المقاهي إلى الامتناع نهائيا عن بث جميع المباريات كيفما كانت الدوريات، محلية أو أجنبية”.
“رداءة المباريات”
أفاد عبد العزيز البلغلتي، محلل وناقد رياضي، بأن “ما يدفع بعض المقاهي للإحجام عن بث مباريات البطولة الوطنية، هو تدني جودة هذه المباريات بسبب ضعف الأداء الذي تقدمه الفرق المحلية وكثرة احتجاجات اللاعبين على الحكام، فضلا عما يبدر منهم من سلوكيات غير مقبولة حتى مع الأطقم الفنية، عدا عن الأخطاء التحكيمية التي تقع بالجملة خلال هذه المباريات”.
وأوضح البلغيتي، في تصريح لهسبريس، أن “هذه المنطلقات التي تحكم سلوك المقاهي هي ذاتها التي تسببت في عزوف عدد كبير من المغاربة عن متابعة مباريات الدوريات الوطنية على اختلاف أقسامها”، مستحضرا أن “تطوير جاذبية كرة القدم الوطنية ما يزال يتطلب وقتا طويلا، ومن غير الممكن مقارنة منافساتنا المحلية بالدوريات الأجنبية المحترفة كالإسباني والبرتغالي والبريطاني، التي تجذب غالبية المهووسين بمتابعة كرة القدم في المغرب”.
واستبعد المتحدث ذاته الطرح القائل بأن ارتفاع نسبة احتمال حدوث مناوشات بين مشجعي الفرق المحلية داخل المقاهي من بين الأسباب التي تدفع الأخيرة نحو الامتناع عن بث مباريات هذه الفرق، قائلا إن “هذه النسبة ضعيفة من الأساس، ولا تكاد تحدث مثل هذه المناوشات إلا نادرا”.
وشدد الناقد والمحلل الرياضي عينه على أن “المقاهي التي تمتنع عن بث مباريات البطولة الوطنية، تحتكم إلى منطق تجاري، ويحق لها ذلك بطبيعة الحال؛ فهي مقاولات في نهاية المطاف”، موضحا أنها “تبحث عن المباريات ذات الجودة، التي تلقى إقبالا من طرف غالبية زبائنها”.
من هذا المنطلق، خلص المتحدث ذاته إلى أن “الارتقاء بأداء اللاعبين المغاربة وبجودة الملاعب والتحكيم، هو ما يمكن أن يعيد إلى المنافسات المحلية نسب المتابعة المرتفعة التي كانت تحظى بها؛ وبالتالي سوف تتشجع جميع المقاهي على عرضها”.
وأردف بأن “الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تبرم شراكات مع المؤسسات الرسمية وشركات مختصة في الميدان من أجل توفير التكوين الجيد للأندية الممارسة بالقسم الاحترافي الأول والثاني، من أجل تحقيق هذه الطموحات”.