الطفولة والمراهقة والذكاء الاصطناعي؟
اكتساحٌ يتزايدُ وأسئلةٌ تتعدّد.
عكس التصوُّر السّائد والنمطي بين الأغلبية الساحقة من المواطنين، “ليس الذكاء الاصطناعي حقلا” أو مجالا من مجالات العمل والإنتاج التقليدية المألوفة فحسب، ” بل هو تَمْكِينٌ أو مُمكِّنٌ، An enabler، للعديد من الصناعات وجوانب الحياة البشرية مثل: البحث العلمي والتربية والصناعات واللوجستيك والنقل والدفاع (…) والثقافة …”، (The age of AI and our human Future, H.A. Kissinger – E. Schmidt – D. Huttenlocher)، وليس الأهم هو غزو الذكاء الاصطناعي لهذه المجالات إلى درجة أنه لم يعد من الممكن لأي دولة أو تجمع صناعي أو أي مؤسسة إنتاج الاشتغال والبقاء في السوق دون استعماله، بل الأخطر والأكثر دلالة على مستقبل البشرية هو التغيير العميق الذي بدأ يمس نسيج حياة الإنسان وطبيعتها بسبب هذا الغزو، إذ : “ستعطِّلُ مميزات الذكاء الاصطناعي، بما فيها قدراته على التعلُّمِ والتطوُّر والمفاجأة، وستُغيِّرُ كل هذه المجالات، وستكون النتيجة هي تغيير هوية الإنسان وتجربته مع الواقع تصورا وإدراكا” على مستوى غير مسبوق منذ بدايات الفترة المعاصرة، وظهور التقنية الميكانيكية ثم التكنولوجيات الحديثة لاحقا.
مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي (AI)، أصبح تأثيره على جوانب مختلفة من المجتمع أمرًا مُنذِراً. فها هي ذي دولة عظمى تمتلك النووي وحق الفيتو كفرنسا، وبعد تخصيص أقوى الدول لبلايين الدولارات لحيازة وتطوير واستغلال وتوظيف الذكاء الاصطناعي باعتباره المستقبل ذاته، تنظم لقاءا عالميا علميا متعدد الاختصاصات بما فيها العلوم الإنسانية والفلسفة والفنون، للتداول بشأن ما يغير جذريا الحياة على كوكبنا بل وتصورنا لأنفسنا، وهو الذكاء الاصطناعي، بحضور رؤساء وعلماء وفلاسفة وفنانين ورجال أعمال إلخ، وليس مجرد التقنيين كما هو التصور القاصر والقصير لدى البعض.
مهم جدا.
لا يعني الحديث عن الذكاء الاصطناعي تناول تطبيقاته المباشرة – Chat GPT، Ask AI Anything، Chat AI GPT مثلا – التي تقوم بمهام ووظائف وخدمات يطلبها الفرد في جميع المجالات فقط مثلما يقوم الربان الآلي في الطائرة بالطيران معظم الرحلات، بل يتعلق الأمر بكل البرمجيات والتطبيقات التي يتم تسييرها وتشغيلها بالخوارزميات، فتوجه السلوك والاختيارات والأذواق والمواقف ومعاني الالتزامات والواجبات والمسؤوليات، وبل وتحدد الأليق والأخير والأجمل بدهاء يخفى على الكبار فكيف بالأطفال والمراهقين الذين لم يستكملوا بعد قدراتهم التحليلية والنقدية، من أجل وعي حد أدنى الواقع المعقد والمغلف بالتضليل والأدلجة وتزوير الواقع والتاريخ والأحداث الخ.
تخوُّفٌ وتساؤلات.
يشكل الأطفال والمراهقون، وهم أجيال عصر التكنولوجيا المتقدمة، الأكثر عُرضة لتأثيرات الذكاء الاصطناعي على تطورهم العقلي والوجداني، وعلى علاقاتهم مع أنفسهم ومع الآخرين ومع الواقع. يتأثر الأطفال والمراهقون أيضا بالذكاء الاصطناعي واستعماله في فهمهم للقواعد وللمعايير الاجتماعية المنظمة للحياة في مؤسسات المجتمع عموما. كما يتأثرون أيضا في تشكيل فهمهم للصداقة ولمفاهيم أساسية مثل الثقة، والإيمان والحب والنجاح والولاء، ما دام للذكاء الاصطناعي دور أساسيٌّ في حياتهم اليومية.
في سياق هذا الاهتمام العالمي بالذكاء الاصطناعي، وفي خضم تنامي الوعي بضرورة تجاوز مستوى التفكير فيه إلى مستوى البحث العلمي الدقيق والمتعدد الاختصاصات فيه، والنقاش العميق حول آثاره على تصور الإنسان لذاته وإدراكه للواقع وتمثله لمستقبله، تطرح أمام الإنسان أسئلة جوهرية نقتصر منها في هذه المقالة على تلك التي تهم الأطفال والمراهقين المستهلكين لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، في غياب واسع لأي تأطير تربوي وتواصلي، في غالب دول العالم، والأقل تطور في بنيات الديموقراطية والثقافة والصناعات الفنية والبحث العلمي والتواصل الحكومي الهادف والاستراتيجي أساسا:
ما طبيعة وقوة تأثير الذكاء الاصطناعي على أفكار الأطفال والمراهقين؟
ما آثاره أساسا على فهمهم للقيم الضرورية للعيش المشترك وللتكيف مع تقلبات الحياة مثل: الصداقة والثقة والإيمان والحب والنجاح والولاء؟
ما تأثيره على إدراكهم لثنائيات قيمٍ أساسيةٍ للتربية على المواطنة والانتماء الإنساني مثل، ثنائية المتعة والسعادة، ومدى اقتران الواجب بالمسؤولية والحق بالاستحقاق؟
تأثير الذكاء الاصطناعي على التطور العقلي للأطفال والمراهقين.
يظهر جليا أثر الذكاء الاصطناعي على الأطفال والمراهقين في تطوُّرهم العقلي. فشيوع اقتناء الأجهزة المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل اللوحات اللمسية والهواتف الذكية والتطبيقات التعليمية والتواصلية المفتوحة على شبكات التواصل الاجتماعي، قد غيرت بالتأكيد طريقة وصول الشباب إلى المعلومات والتفاعل معها وتوظيفها والتأثر بها في العيش اليومي وفي الدراسة والعلاقات الاجتماعية في الأسرة والمدرسة والشارع. يتمثل التأثير المجه والمتعمد المقاصد في كون هذه التقنيات تقوم بالتدخل في المحتوى ومضمونه وذلك باختيار التطبيقات ومضامينها لغة وصورا وحكيا ومعلومات حاملة لمواقف ولتصورات ولقيم، غالبا مكا تمنح الامتياز لثقافات وسياسات وقيم الصانع والمنتج. يجعل هذا التدخل في المحتوى تجارب التعلُّمِ أكثر محدودية والتصاقا بثقافة دون أخرى، وذلك على الرغم من تضمنها أحيانا، قيما كونية نبيلة تتشاركها كل الثقافات كالسلم والتسامح والخير والحوار والتعاون والاتكال على الذات والمساواة ال، فها قد: “بدأنا نفهم قوة التكنولوجيا ليس فقط في تشكيل السلوك، ولكن في تشكيل كيفية تفكيرنا في العالم وفي أنفسنا. (Sherry Turkle, “Alone together: Why we expect more from technology and less from each other.”) ”
يُضيِّق استعمال آلات التسلية والتعلُّم والتواصل الذكية التي يستعملها الأطفال والمراهقون بمحتوى مدعوم بالذكاء الاصطناعي، سواء كان هذا المحتوى على شكل مقاطع فيديو تخص موضوعا محددا كما هو الأمر على منصة يوتيوب مثلا، أو فيما هو رائج من مقاطع في وسائل التواصل الاجتماعي، يضيق من نطاق إدراك واختيارات وامكانيات المقارنة الذي يتعرض له الأطفال والمراهقون. قد يؤدي الأمر والحالة هذه، إلى فهم مُشوش وتبسيطي حد التشويه للموضوعات المعقدة، وإلى إحساس مغلوط بالواقع، خاصة عندما يتم تخصيص المعلومات لتدعيم الآراء الموجودة في واقع غير متكافئ دوليا على مستويات الوعي المدني والتربية والتعليم.
علاوة على ذلك، يمكن أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على كيفية تطوير الشباب لمهارات التفكير النقدي والتحليلي أنماط مواجهة المشكلات وحلها، وذلك من خلال القدوات والسرديات والنماذج والحكايات الشخصيات وصيغ التاريخ الوطني والدولي المونوغرافيات، التي يتم تقديمها عبر هذه الأدوات التي يتحكم في تشغيلها وفي برمجتها الذكاء الاصطناعي. فبدلًا من مواجهة التحديات بشكل فردي عقلاني وشجاع ومستقل، تقدم أغلب هذه الأدوات الذكية حلولا جاهزة وفورية سهلة، غالبا ما تعتمد القوة والأنانية. يكمُن الخطر في الكثير المنتشر والمؤدي إلى الإدمان لدى الصغار من ألعاب عنيفة: BUBG, Free Fire على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما قادَ منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم UNESCO، إلى نشر دليل للوالدين عن الموضوع: (Les jeux videos et vos enfants: Guide a l’intention des parents.). “يواجه المراهقون اليوم عالمًا تقل فيه التفاعلات المباشرة ويكثر فيه التجارب المتوسطة عبر الشاشات، مما قد يعيق تطوير الذكاء الاجتماعي والعاطفي”.
الصداقة والعلاقات في عصر الذكاء الاصطناعي
تتأثر طريقة فهم الأطفال والمراهقون للعلاقات الاجتماعية وللصداقات بالذكاء الاصطناعي. تقدم منصات وسائل التواصل الاجتماعي، التي تدرس رياضيا الاختيارات والتكرارات والتفضيلات في تعاطي الصغار مع برامجها، محتويات على مقاس تصور الطفل والمراهق باعتباره سوقٌ مُيسّرة للجذبِ وللكسْبِ، باعتباره زبُونٌ سريع التعوُّد لما تقدمه من “سلعة-محتوى”. يؤدي استهلاك تلك المحتويات من طرف الطفل والمراهق، الذي يكون في مرحلة تكوين شخصيته، ومنها أساسا تثبيت وتطوير آليات التكيُّف مع ضوابط وعوائق الحياة وما تتطلبه من شجاعة وقوة ليونة، واستعمالٍ مُتوازن لخبرات السيطرة والتحكم في الرغبات وقناعات التقاسم والصبر والاستحقاق الخ، يؤدي إلى خلق دوائر تواجد يومي اجتماعية ضيقة، حيث لا يتفاعل الطفل والمراهق سوى مع أقران متشابهين له في الفكر والوجدان والرغبات وجموح الصغر، وهو ما قد يؤدي إلى التعود على السهولة والاستجابة الفورية لرغبات التخلص بطريقة غير واقعية تماما لكل ما يقف في وجه رغبات الطفل والمراهق: أحصل على كل شيء بالغضب والعنف والضرب والصراخ بل والقتل وتحييد العائق، دون تفكير أو تفهم أو تقبل للصبر ولتقاسم الأدوار مع الأخرين وفقا لضوابط العيش الأخلاقية والقانونية. فلا نجاح ولا جمال ولا تحقيق للمطالب وللرغبات بدون حدود سوى الانتصار بالقوة دون منطق إنساني أو شرائع الخ. يتعلق الأمر بتكريس خطير من خلال أغلب أشهر الألعاب الالكترونية ومحتويات كثيرة على منصات متعددة مخصصة للأطفال، (طبعا هناك الإيجابية لكن انتشارها وآثارها أقل بكثير من السيئة التأثير). تختزل هذه البرمجيات إذا العلاقات الاجتماعية بالنسبة للطفل وللمراهق في الغالب الأعم، إلى علامات إعجاب وتعليقات ومشاركات رقمية، لا تعكس حقيقة الواقع حيث تعتبر علاقات الصداقة والدراسة والوجدان علاقات عميقة ومعقدة وتبادلية وذات مغزى نفسي وأخلاقي واجتماعي وثقافي: “أصبحت الصداقات سِلعة، مع الخوارزميات التي تُحدد، (للطفل وللمراهق أساسا)، من يستحقُّ الانتباه.” (Sherry Turkle).
مع ظهور تطبيقات مثل سناب شات – Snapchat وإنستغرام – Instagram وتلغرام – Telegram المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهي تطبيقات تشجع على الانخراط وعلى المشاركة المستمرة، أصبح من الصعب على الأطفال الشباب أن يعيشوا صداقات أصيلة مبنية على المعاملات المباشرة والفيزيائية عمليا، فالعالم الرقمي المدبر والمسير بالذكاء الاصطناعي يغريهم بحياة اجتماعية أسهل وأيسر وبدون عناء، يستبدل فيها الأشخاص كما تستبدل الجوارب.
ها قد أصبح الأطفال والمراهقون يتوفرون بشكل مثير للجدل وللتخوف، على “أصدقاء افتراضيين” مدعومين بالذكاء الاصطناعي، يزاحمون بقوة صداقات فعلية تكسب مهارات وتجارب وقدرات ونموا طبيعيا للتفكير وللوجدان، في الوقت الذي تعلم فيه هذه الصداقات مهارات تقنية وتضعف قدرات تقبل والتكيف والتعايش مع الواقع المادي والعملي الذي يعيشون فيه. تقدم روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل “ريبليكا – Replika” دعمًا عاطفيًا وصحبة للمراهقين الذين يعانون من الانعزال والوحدة أو القلق الاجتماعي، والمفارقة أن هذه الوضعية التي قد يعانيها الأطفال والمراهقون كونها قد تكون نتيجة للغرق في عوالم الرقمي. قد توفر هذه الرُّفقة الرقمية مؤقتا بعض الاستراحة المؤقتة من ألم ومعاناة العزلة والوحدة، إلا أنها وككل المهدئات التي لا تعالج عمق الداء وجذوره بل أعراضه الخارجية، غالبًا ما تفتقر القدرة على المساعدة على بناء واكتساب الطفل والمراهق لغنى وتعقيد وعمق ودفء العلاقات الإنسانية. تثير مثل هذه البرمجيات التي يحركها الذكاء الاصطناعي مخاوف المربين والعلماء والدارسين، من أن الأطفال والمراهقين قد يصبحون أقل قدرة على تكوين روابط حقيقية ومبنية على أسس التعاطف والتفاهم والحوار والتبادل في محيطهم الاجتماعي الواقعي.
الذكاء الاصطناعي وقيم الثقة، والإيمان، والحب، والنجاح، والولاء
تتأثر طريقة نظر الأطفال والمراهقين إلى القيم الأساسية التي يتمحور حولها بناء الشخصية مثل الثقة، والإيمان، والحب، والنجاح، والولاء، تتأثر بشكل متزايد باستعمالات الذكاء الاصطناعي، وذلك بسبب ترويج أغلب منصات التواصل الاجتماعي والألعاب الالكترونية وأفلام التحريك الصغار على الإنترنت، للأفكار غير الواقعية حول القيم الأساسية ومنها مثلا النجاح والجمال. إن الاستهلاك غير الواعي وغير المسلح بالقدرة على النقد والمدعوم بنقاش وحوار مع الوالدين مثلا، للصور المثالية التي تروجها هذه الفضاءات الرقمية عن الحب والنجاح وكسب المال والانتصار والحرية والعدالة والولاء والثقة الخ، قد يؤدي إلى تشوهات للواقع في إدراك الذات، وخاصة فيما يتعلق بالثقة وبصورة الجسم. في هذا السياق يمكن القول بأن المقارنة المتواصلة للطفل وللمراهق لنفسه ولذاته ولجسمه أساسا، مع الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تساهم في زيادة مستويات القلق والاكتئاب بينهم، وهو ما يؤثر سلبًا على احترامهم لذاتهم وثقتهم. في قدراتهم وفي تقديرهم بالتالي لوالديهم الذين يعتبرونهم مسؤولين عما هم عليه.
يمكن الذكاء الاصطناعي التأثير أيضا على مفاهيم الحب والولاء، حيث يصبح المدمنون على منصات المحتوى والألعاب وشبكات التواصل الاجتماعي من الأطفال والمراهقين يرون العلاقات الإنسانية على أنها معاملات عابرة. هكذا يصبح “التجاهل” و”التفاعل الرقمي السريع” شيء عادٍ. تكمن الخطورة في وضع مماثل لما ذكرناه هو الإمكانية العملية لهدم وتقويض قيم مثل الولاء والالتزام العاطفي واحترام وتقدير الآخر بإنسانيته على المديين المتوسط والطويل. تصبح بنية الأسرة ومعنى الحب والزواج والالتزام والإنجاب، ومعنى الأبوة والأمومة أمام خطر تشويه حقيقي وبالتالي التخوف الجدي من تدمير مؤسسات المجتمع الأولى والأساسية.
نور في عتمة.
يسهم الذكاء الاصطناعي، من جهة أخرى، في تعزيز القيم الإيجابية، في هذا السياق يمكن الحديث عن برمجيات وتطبيقات: دولينغو – Duolingo مثلا، تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقوية النجاح التعليمي. فتعلُّم اللغات يعتبر أكثر إيجابية ونفعا وجاذبية لدى الأطفال والمراهقين. هكذا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز شعورًا إيجابيا بالذات وبالإنجاز وبالقدرة على تحقيق التفوق، وهنا نكون أمام تصور آخر للنجاح، لكن ينبغي الاعتراف بأن هذا النوع من التطبيقات يتطلب حدا أدنى من، اهتمام وحضور وتوجيهات والدان واعيان وصالحان، لا ينفكان عن التواصل مع الأبناء، ولا يتوقفان منذ نعومة الأظافر على التواصل معهم، وعلى نسج علاقة صداقة وتواصل عميق وثقة وتقدير مع أبنائهم بصبر وإصرار ومثابرة.
تأثير الذكاء الاصطناعي على دراسات الأطفال والمراهقين
أثر الذكاء الاصطناعي على دراسات الأطفال والمراهقين هو أيضًا جانب مهم، في دراسة تفاعل الأطفال والمراهقين مع التكنولوجيات الجديدة، يجب النظر فيه. تقدم العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي – لأعمال متعددة بين الطفولة والمراهقة والشباب – وهي منصات إلكترونية للتعلُّم مثل “كاهوت – Kahout وكورسيرا – Coursera”، تقدم بيئة تعليمية تفاعلية ومتخصصة. يتيح هذا النوع ارتياد العالم الرقمي من أجل التعلم بشكل جذاب للمراهقين، يتيح الوصول إلى محتوى تتعدد فيه مجالات التخصص، يتماشى مع مستواهم وقدرتهم التعليمية، مما قد يسهم في تحسين مداركهم ومعارفهم وبالتالي نتائجهم الدراسية. ومع ذلك، فإن الاعتماد المفرط على هذه الأدوات قد يؤدي إلى قلة التفاعل الاجتماعي والتعلم التعاوني، وهو عنصر حيوي في تطوير مهارات التفكير النقدي والتحليلي، وفي العمل الجماعي وما يتطلبه من احتكاك وتبادل وتنافس وحوار وتواصل مباشر.
من ناحية أخرى، يساعد الذكاء الاصطناعي بالتأكيد في التغلب على بعض التحديات التعليمية، مثل إتاحة التعليم للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أو المتواجدين في مناطق نائية ومعزولة وغير مجهزة بالبنيات التحتية الضرورية للحياة العصرية. ومع ذلك، يبقى الخطر دائما متمثلا في امكانية أن يؤدي التفوق التكنولوجي في التعليم إلى تآكل المهارات التقليدية مثل، الكتابة اليدوية والتفاعل المباشر مع المُعلمين حيث تعابير الوجه والنظر وحركات اليدين والانفعالات والتعبير الجسدي عموما، لا يمكن تعويض ما يحمله من دلالات وشحنات وجدانية في التواصل التعليمي، بالآلات ولا بالتطبيقات.
خلاصة
مع استمرار دمج الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية للأطفال والمراهقين، فإن تأثيره على أفكارهم ونفسياتهم ووجدانهم وتصوراتهم للواقع، ولعلاقاتهم، ولفهمهم للقيم سيزداد تغيرا عميقا وتعقيدًا. فبينما يوفر الذكاء الاصطناعي لهم فرصًا كبيرة للتعلم الشخصي وللاتصال بالعالم الخارجي البعيد والمتعدد، فإنه أيضًا يطرح أمام نموهم وفي طريق اكتمال نمو شخصياتهم ومهاراتهم الاجتماعية والنفسية والثقافية، تحديات تتعلق بتقدير الذات، وبالتفاعل الاجتماعي، وبفهم الضوابط والقيم الأساسية للمجتمع المحلي والعالمي.
من الضروري أن يفهم الوالدان والمعلمون والمربون والمدربون والإعلاميون وصانعو السياسات التربوية والثقافية والتعليمية والتنموية، تعقيدات تأثير الذكاء الاصطناعي على المجتمع عامة، وعلى الأطفال والمراهقين خاصة، وأن يوجهوا الشباب في التنقل داخل هذا المشهد الرقمي الجديد وفقا لما يردونه من مواطن ومواطنة ومجتمع ودولة في خضم عالم قوام التواصل والتربية وصناعة الرأي العام فيه، الذكاء الاصطناعي وصناعة الصورة والتي أصبح هذا الذكاء يتحكم فيها بشكل غير مسبوق. فمن خلال تعزيز التفكير والتحليلي النقدي والمقارن، وعبر تشجيع الروابط الواقعية في حياة الأطفال والمراهقين، من خلال تحديد الأهداف والمقاصد من نظم التربية والتعليم والصناعات الثقافية والفنية وتوظيف الذكاء الاصطناعي وإدماجه في مجالات البحث العلمي والتربية والتعليم وغيره من المجالات، يمكن ضمان تعزيز الذكاء الاصطناعي من النمو الصحي والسليم للشباب وللأطفال والمراهقين خاصة، عوض ترك الحبل على الغارب لأداة بل ولأسلوب عيش جديد ملأ الدنيا وشغل الناس، يغير بشكل غير مسبوق وبعمق يد، تعريف الإنسان والمجتمع والحياة اليوم قبل غد.