عارضَ معنيّون بحماية البيئة خطة إنشاء ممر الهيدروجين الأخضر الأوروبي (إتش تو ميد H2Med)، وهو خط أنابيب عملاق ينقل الإمدادات من شبه جزيرة أيبيريا حتى شمال غرب أوروبا.
وحمل تحليل -اطّلعت على تفاصيله منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- اتهامات للممرّ المقترح بأنه لا يستند إلى أساس صلب لقدرات الإنتاج الفعلية والآثار المحتملة في البيئة أو التكلفة التي سيتحمّلها دافعو الضرائب من المواطنين.
ولذلك قال، إن إنشاء ممر الهيدروجين الأخضر سيبدّد أموال المواطنين دون حاجة، بسبب تراجع الطلب في أوروبا، فضلًا عن أنه يعرّض تحول الطاقة في أيبيريا للخطر.
وبالأساس، يستهدف خط أنابيب الهيدروجين الجديد نقل نحو مليوني طن من الهيدروجين، ومن المتوقع أن يدخل حيز التشغيل الكامل في عام 2030.
ويُنظر إلى الهيدروجين بوصفه بديلًا نظيفًا للوقود الأحفوري لتقليل الانبعاثات في الصناعات صعبة الكهربة، وخاصة في دول الاتحاد الأوروبي التي وضعت هدف استيراد وإنتاج 20 مليون طن بحلول نهاية العقد الجاري قبل بلوغ هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
إتش تو ميد H2Med
في تحليلها لما وصفته بأخطار خط الأنابيب الأخضر إتش تو ميد H2Med، قالت 28 منظمة، من بينها "زيرو" أو جمعية استدامة الأرض وشبكة "الغاز ليس الحل"، إن ثمة مخاوف خطيرة تحيط بمشروع ممر الهيدروجين الأخضر الأوروبي بإجمالي استثمارات يصل إلى 6 مليارات يورو (6.25 مليار دولار).
(اليورو يعادل 1.04 دولارًا أميركيًا).
وتعتقد تلك المنظمات بأن بناء مرافق الخط غير ضروري من الأساس؛ إذ لا يوجد طلب حقيقي في أوروبا، ولذلك سيبدد الممر أموال الشعوب، ويعرّض أمن الطاقة في شبه جزيرة أيبيريا (الممتدة بين إسبانيا والبرتغال) للخطر.
وعلى نحو خاص، من المتوقع أن تلبي أيبيريا 20% من توقعات الاستهلاك في الاتحاد، المقدّرة عند 20 مليون طن في 2030.
وقبل الشروع في بناء الممر والمرافق ذات الصلة، طالبت المنظمات بإجراء دراسات شاملة لتقييم جدوى إنتاج الهيدروجين الأخضر وحجم الطلب عليه بحلول 2030، أو أيّ موعد آخر.
كما يتعين النظر في الآثار الاجتماعية والاقتصادية، مع تحديد البدائل المثلى لنقل الهيدروجين لمسافات طويلة، والأخذ في الحسبان التكاليف وكفاءة الإنتاج.
وبحسب الخطة الموضوعة، من المقرر أن ينقل الممر الهيدروجين الأخضر من البرتغال إلى إسبانيا، ثم إلى فرنسا، بعد المرور بمياه البحر المتوسط، ثم إلى ألمانيا، محطته النهائية.
وتفصيليًا، ينقسم إمشروع تش تو ميد H2Med إلى قطاعين رئيسين، هما سيلزا (CelZa) على مساحة 162 كيلومترًا بين البرتغال بإسبانيا بتكلفة 350 مليون يورو مع قدرة نقل 750 كيلو طن سنويًا من الهيدروجين.
أمّا القطاع الثاني، وهو بارمار (BarMar)، فيوجد تحت سطح الماء، ويربط برشلونة الإسبانية بمرسيليا الفرنسية على مساحة 455 كيلومترًا بتكلفة 2.5 مليار يورو.
خط أنابيب الهيدروجين الأخضر في أوروبا
في معرض تبريرها لأسباب معارضتها إقامة ممر الهيدروجين الأخضر الأوروبي إتش تو ميد H2Med، عدّد خطاب المنظمات البيئية 5 أسباب رئيسة، وهي كالتالي:
1- تقويض تحول الطاقة
يتطلب إنتاج مليوني طن من الهيدروجين الأخضر بحلول 2030 توسعات ضخمة في إنتاج الطاقة المتجددة تصل إلى 40 غيغاواط في كل من البرتغال وإسبانيا، فضلًا عن قدرات التحليل الكهربائي.
وفي البرتغال، سيتطلب إنتاج الهيدروجين الأخضر توافر أجهزة تحليل كهربائي بقدرات تتراوح بين 6 و7 غيغاواط، وهو ما يفوق ضعف الأهداف المقررة عند 3 غيغاواط فقط، بالإضافة إلى إقامة محطات طاقة متجددة ذات إنتاج بين 14 و17 غيغاواط، وهو ضعف القدرات المركبة في العام الماضي (2023)
ولذلك، قد يقوّض ممر الهيدروجين الأوروبي انتقال الطاقة العادل، كما لا يأخذ في الحسبان المشكلات المرتبطة بالتخطيط السليم وحجم المشروعات والتنسيق بشأن الأراضي وعدم توافر شبكات نقل قادرة على نقل هذا الكم الكبير من الكهرباء.
2- تبديد أموال الشعب
استند التقرير البيئي إلى تقرير محكمة المدققين الأوروبية الصادر في يويو/تموز 2024، الذي اتهم الاتحاد الأوروبي بضخّ عشرات المليارات من اليوروهات لتحقيق أهداف غير واقعية، ولا يرتكز سوى على رغبة سياسية.
ورغم إنفاق 18.8 مليار يورو لصالح الهيدروجين الأخضر، لم تصل إلّا مشروعات بقدرة إنتاج 5 غيغاواط إلى مرحلة متقدمة من التطوير، كما لم تتجاوز مشروعات أخرى بقدرة 50 غيغاواط مرحلة التقييم.
وهنا، دعا معدّو التقرير بشأن ممر الهيدروجين الأوروبي إتش تو ميد H2Med إلى إيجاد بدائل ذات جدوى مُثبتة مثل الكهربة المباشرة وتحسين كفاءة الطاقة.
3- شبح الوقود الأحفوري
يحذّر التقرير من الاضطرار إلى مزج الهيدروجين بالغاز الطبيعي في حالة إنشاء ممر الهيدروجين الأخضر الأوروبي دون وجود ما يكفي من إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو ما سيقيّد أوروبا بالاعتماد على الغاز لعقود أطول.
وما يغذّي تلك المخاوف هو وجود عشرات المشروعات البرتغالية المخصصة للاستهلاك المحلي، وليس التصدير عبر خط الأنابيب المقترح.
4- نقل الهيدروجين
حذّرت المنظمات البيئية من الأخطار المناخية لتسريب الهيدروجين خلال نقله لمسافات طويلة، وهو ما ينفي السبب الذي يُقام ممر الهيدروجين من أجله.
كما اتهم التقرير الهيدروجين بكونه ناقل طاقة غير فعال بصورة كبيرة، بسبب خسارة قدر كبير خلال مراحل التحليل الكهربائي والضغط والنقل، ما يجعل محطة غاز تعمل بالهيدروجين الأخضر بالكامل تستهلك 3 أضعاف الطاقة التي تنتجها.
5- آثار بيئية واقتصادية
يتطلب إنتاج 40 غيغاواط من الطاقة المتجددة مساحات واسعة من الأراضي، فضلًا عن استهلاك ما يتراوح بين 25 و32 لترًا من الماء لكل كيلوغرام من الهيدروجين الأخضر، وهو ما سيكون له آثار في الأنظمة البيئية، وقد يُخلّ بالموائل الطبيعية والتنوع البيولوجي كما في خليج الأسد.
الهيدروجين الأخضر في الجزائر
من المقرر أن يصبح مشروع "الممر الجنوبي 2" (SoutH2) نقطة البداية لانطلاق صادرات الهيدروجين الأخضر الجزائرية ذات الأسعار التنافسية إلى أوروبا.
ويستهدف الخط الذي ما زال في مراحله الأولية نقل نحو 4 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا، ويمتد بطول 3 ألاف و300 كيلومترًا من الجزائر إلى تونس، وصولًا إلى ألمانيا وإيطاليا والنمسا.
وبحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة، وضعت الجزائر هدف إنتاج مليوني طن من الهيدروجين الأخضر بين 2030 و2040، وهو ما يمثّل 10% من الطلب المتوقع في أوروبا.
وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول (2024)، كشف وزير الطاقة محمد عرقاب توقيع عدد من مذكرات التفاهم بشأن إجراء دراسات الجدوى بين سوناطراك وشركات أوروبية.
كما وقّع وزراء الطاقة في النمسا وألمانيا وإيطاليا خطاب دعم سياسيًا لتطوير الممر الهيدروجيني في مايو/أيار (2023).
وعلى نحو خاص، وقّعت ألمانيا والجزائر في فبراير/شباط (2024) خطاب نوايا لإقامة فريق مشترك بمجال الهيدروجين.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
1- نص تقرير المنظمات البيئية على موقع منظمة زيرو