تابعت شرائح واسعة من المغاربة بكثير من الترقب والشغف مسيرة مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، والذي ظل عالقا بالغرفة الأولى للبرلمان منذ أزيد من ثمانية أعوام؛ فقد صادق عليه النواب، الثلاثاء الماضي، في جلسة عمومية تشريعية، ووافق عليه 124 نائبا، مقابل معارضة 41 نائبا وعدم امتناع أي أحد عن التصويت، في انتظار إحالته على مجلس المستشارين واستكمال مسطرة التشريع.
ويُعرّف مشروع القانون التنظيمي ذاته الإضرابَ بأنه “كل توقف إرادي جماعي لمدة محددة عن أداء العمل كيلا أو جزئيا من أجل الدفاع عن حق من الحقوق أو مصلحة من المصالح الاجتماعية أو الاقتصادية أو المهنية المباشرة للعمال في علاقتهم بالمقاولة أو بالمؤسسة أو بالمرفق العمومي والمرتبطة بظروف العمل بتحسين ظروفهم المهنية”.
وتشمل الجهة الداعية إلى ممارسة هذا الحق، وفق المصدر ذاته، “نقابةً أكثر تمثيلا على الصعيد الوطني أو نقابة ذات تمثيلية على الصعيد الوطني في وضعية سليمة وشاركت في انتخابات ممثلي المأجورين، إلى جانب نقابة ذات تمثيلية ضمن مرفق عمومي وأخرى أكثر تمثيلا على مستوى المقاولة أو المؤسسة، فضلا عن لجنة الإضراب أو نقابة تمثل المهنيين في وضعية قانونية سليمة ونقابة تمثل العاملات والعمال في وضعية قانونية سليمة.
وتُعنى بمشروع هذا القانون التنظيمي فئاتُ “الموظفين والأعوان والمستخدمين والمتعاقدين لدى إدارات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ومجموعاتها ولدى كل شخص اعتباري آخر من أشخاص القانون العام، فضلا عن المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا والعمال المنزليين”.
وشددت المادة السادسة من مسودة النص ذاته كما وافق عليها مجلس النواب، بعد القراءة الأولى، على أن “كل عامل يشارك في الإضراب يعد في حالة توقف مؤقت عن العمل لا يؤدى عنه أجر. كما لا يترتب عن إضراب المهنيين توقفُ عقد شغل أجرائهم وعدم أداء أجورهم”؛ في حين بيّنت المادة السابعة أن “ممارسة حق الإضراب مضمونة بمقتضى هذا القانون ويمنع كل فعل يؤدي إلى عرقلتها، سواء بواسطة الاعتداء والانتقام أو الإغراء أو بأي وسيلة أخرى”.
وفي رسالة مباشرة إلى أرباب العمل والمديرين بالقطاع العام بيّنت المادة التاسعة أنه “يمنع اتخاذ أي إجراء تمييزي في حق العمال بسبب ممارستهم حق الإضراب من شأنه خرق مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والمساس بالضمانات الممنوحة لهم والمتعلقة على الخصوص بحقوقهم ووضعياتهم ومسارهم المهني”.
خطوات تفعيل الإضراب
مفصّلة في مسطرة التبليغ بالقيام بممارسة الإضراب تورد المادة 12 أنه بخصوص الملف المطلبي، “تجوز الدعوة إلى الإضراب في القطاع العام أو المرفق العمومي أو بالنسبة للمهنيين بعد انصرام أجل 45 يوما، مع إمكانية التمديد مرة واحدة لفترة خمسة عشر يوما. وبالنسبة للقطاع الخاص تجوز الدعوة إلى الإضراب على مستوى المقاولة أو المؤسسة من قبل النقابة الأكثر تمثيلا(..)، ويحدد الأجل في 15 يوما، مع إمكانية التمديد مرة واحدة لفترة مماثلة”.
أما بالنسبة للقضايا الخلافية فالدعوة إلى الإضراب، وفق المادة ذاتها، “تجوز في القطاع العام أو المرفق العمومي أو بالنسبة للمهنيين بعد انصرام 30 يوما. أما بالنسبة للقطاع الخاص فيُحددُ الأجل في 10 أيام، على أن تُحتسب الآجال من تاريخ التوصل بالقضايا الخلافية”، موضحة أنه “بخصوص وجود خطر مثبت يهدد صحة وسلامة الأجراء بالمؤسسة أو المقاولة فإن الدعوة إلى الإضراب تجوز بعد انصرام ثلاثة أيام”.
الإضراب والنظام العام
وحسم مشروع القانون ذاته في مصير العمال أو الأجراء المضربين، إذ كشف أنه “يُمنع خلال مدة سريان الإضراب إحلال محل العمال المضربين عمالا أو أشخاصا آخرين لا تربطهم بالمقاولة أو المؤسسة أو المرفق العمومي أية علاقة لها صلة بالنشاط أو بالخدمة المقدمة، قبل تاريخ تبليغ قرار الإضراب”.
كما أوضح أنه “في حالة تأثير ممارسة حق الإضراب على تزويد السوق بالمواد الضرورية اللازمة لحماية المواطنين وصحتهم وسلامتهم (..) أمكن للسلطات المحلية المختصة اتخاذ التدابير اللازمة لضمان استمرارية نشاط المقاولة أو المرفق العمومي، وذلك على مسؤولية ونفقة الجهة التي تم ضمان استمرار أنشطتها”.
وأشار المشروع ذاته، ضمن مادته الـ19، إلى أنه “يمكن لرئيس الحكومة، في حالة حدوث آفات وكوارث طبيعية أو أزمة وطنية التي من شأنها من شأنها المساس بالنظام العام وحقوق المواطنين، أن يأمر بصفة استثنائية بمنع الإضراب أو وقفه لمدة محددة بموجب قرار معلّل.
وزاد: “يمكن للسلطات العمومية المعنية اللجوء إلى قاضي المستعجلات بالمحكمة المتخصصة من أجل استصدار أمر قضائي بوقف أو توقيف الإضراب مؤقتا في حال ما إذا كانت ممارسته ستؤدي إلى تهديد النظام أو وقف تقديم الحد الأدنى من الخدمة”، كاشفا أن “المرافق الحيوية يراد بها المؤسسات الصحية والمحاكم بمختلف أصنافها ودرجاتها القانونية والمهن القانونية والقضائية المرتبطة بها، فضلا عن مرافق بنك المغرب ومرافق الأرصاد الجوية ومرافق النقل السّككي والمصالح البيطرية وقطاع المواصلات وشركات الاتصال السمعي البصري العمومي ومرافق انتاج وتوزيع الكهرباء(..).
غرامات ثقيلة
مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات حق الإضراب لم يتحدث فقط عن طريقة ممارسة هذا الحق والفئات التي يعنيها الأمر؛ بل أفرد بابا خاصا بالعقوبات يتضمن تقريبا 10 مواد، حيث تشير المادة 24 إلى أنه “يعاقب بغرامة من 20 إلى 50 ألف درهم كل من عرقل ممارسة المهنيين حقهم في الإضراب، في حين يعاقب بغرامة من ألفين إلى 5 آلاف درهم كل عامل ارتكب نفس الفعل”.
كما أقر المصدر ذاته غرامة من 20 إلى 50 ألف درهم في حق “كل من أحلّ عمالا أو أشخاصا آخرين محل العمال المضربين”، وغرامة ما بين 15 و30 ألف درهم في حق “كل من اتخذ إجراء تمييزيا ضد العمال بسبب ممارستهم حق الإضراب”، فضلا عن غرامة من 5 آلاف إلى 10 آلاف درهم يعاقب بها “كل من عرقل حرية العمال خلافا لما هو منصوص عليه في الفقر ة الثانية من المادة 7 من هذا القانون التنظيمي”.
وأفادت المادة 28 بأنه “يعاقب بغرامة من 20 إلى 50 ألف درهم كل من دعا إلى ممارسة حق الإضراب دون التقيد بأحكام الفقرة الأولى من المادة 12 من هذا القانون التنظيمي”؛
في حين نصت المادة 29 على أنه “يعاقب بغرامة من 5 آلاف إلى 10 آلاف درهم كل عامل رفض القيام بالخدمات الأساسية التي كُلّف بتقديمها خلافا لأحكام البند “ب” من هذا القانون التنظيمي، فضلا عن كل من رفض توفير الحد الأدنى من الخدمة التي كُلّف بها خلافا لأحكام المادة 21″.
ويقوم ضباط الشرطة القضائية بتحرير محاضر المعاينة وإثبات المخالفات لأحكام هذا القانون التنظيمي، وترسل إلى النيابة العامة بالمحكمة المختصة داخل اجل أقصاه 24 ساعة من تحريرها؛ في حين يدخل هذا القانون التنظيمي حيز التنفيذ بعد انصرام أجل ستة أشهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية (بعد نهاية مساره التشريعي بغرفتي البرلمان).