سيطر التفاؤل الحذر على توقعات سوق النفط في 2025، مع تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وحالة الترقب لمدى قدرة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على الوفاء بوعوده بإنهاء الحروب وزيادة إنتاج النفط الأميركي.
وقدّر صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2% خلال عام 2025، دون تغير عن مستواه في عام 2024، لكنه أقل من النمو المُقدّر عند 3.3%.
كما قدّر الصندوق نمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.2% في 2025، مقارنة بنحو 2.8% في 2024، في حين قُدّر نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 4.5%، مقارنة بنحو 4.8% في 2024، ما سيكون له تأثيراته في سوق النفط خلال 2025.
وألقت هذه المتغيّرات بظلالها على توقعات السوق بين المؤسسات الكبرى الفاعلة، ما أدى إلى اختلاف تقديراتها حول نمو الطلب على النفط والمعروض العالمي وصولًا إلى أسعاره، وفق ما جاء في ملف الحصاد السنوي لعام 2024، الصادر عن وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).
توقعات الطلب على النفط في 2025
تتفق المؤسسات الفاعلة في السوق على استمرار نمو الطلب على النفط عام 2025، لكنها مختلفة في حجم النمو المتوقع، حيث تبدو وكالة الطاقة الدولية الأقل توقعًا، في حين تبدو أوبك الأعلى تقديرًا.
ووفق أحدث التوقعات الشهرية، تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمو الطلب على النفط خلال عام 2025 بنحو 1.1 مليون برميل يوميًا، ليصل الإجمالي إلى 103.9 مليون برميل يوميًا.
وعزت الوكالة تقديرات النمو المتواضعة للطلب إلى التباطؤ الحاد في نمو الطلب الصيني على النفط، إلى جانب الاقتصادات الناشئة والنامية الرئيسة، مثل نيجيريا وباكستان وإندونيسيا وجنوب أفريقيا والأرجنتين، ما أدى إلى تبنيها نظرة أقل تفاؤلًا لسوق النفط في 2025.
بينما تتوقع منظمة أوبك نمو الطلب على النفط في 2025 بنحو 1.45 مليون برميل يوميًا، ليصل الإجمالي إلى 105.27 مليونًا.
ورجحت أوبك أن يأتي أغلب نمو الطلب من الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنحو 1.43 مليون برميل يوميًا خلال عام 2025، بقيادة الصين المتوقع نمو طلبها بنحو 0.31 مليون برميل يوميًا، ليصل إلى 17.1 مليونًا خلال العام نفسه.
أما إدارة معلومات الطاقة الأميركية فقد جاءت تقديراتها في منطقة وسط بين وكالة الطاقة وأوبك، مع توقعها نمو الطلب في 2025 بنحو 1.29 مليون برميل يوميًا، ليصل الإجمالي إلى 104.3 مليونًا.
ومن حيث التقديرات الفصلية، تتفق إدارة معلومات الطاقة ومنظمة أوبك على أن الربع الأخير من عام 2025، سيشهد أعلى طلب على النفط، خلافًا لوكالة الطاقة الدولية التي تتوقع حدوث ذلك في الربع الثالث، كما يستعرض الجدول التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة:
على الجانب الآخر، أبدت بعض مراكز الأبحاث المستقلة توقعات مختلفة لحالة سوق النفط في 2025، ومركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية "كابسارك".
وتوقع "كابسارك" نمو الطلب بنحو 1.36 مليون برميل يوميًا خلال عام 2025، ليصل الإجمالي إلى 103.9 مليونًا، بانخفاض 400 ألف برميل يوميًا عن تقديرات سابقة، بحسب أحدث تقرير صادر عن المركز في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
توقعات إمدادات سوق النفط في 2025
تتفق جميع المؤسسات الكبرى على أن سوق النفط في 2025 ستشهد نموًا في المعروض العالمي، سيأتي أغلبه من خارج تحالف أوبك+، مع اختلاف تقديرات حجم هذا النمو من مؤسسة إلى أخرى.
وتتوقع منظمة أوبك نمو معروض النفط من خارج تحالف أوبك+ بنحو 1.11 مليون برميل يوميًا خلال عام 2025، ليصل الإجمالي إلى 54.23 مليون برميل يوميًا، بقيادة الولايات المتحدة والبرازيل وكندا والنرويج.
بينما تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمو المعروض النفطي من خارج أوبك+ بنحو 1.5 مليون برميل يوميًا، ليصل الإجمالي إلى 54.6 مليونًا.
كما تتوقع زيادة إنتاج تحالف أوبك+ من النفط الخام عام 2025، إذا تمكّنت ليبيا وجنوب السودان والسودان من الحفاظ على وتيرة الإنتاج، وإذا استكملت قازاخستان توسعة حقل تنغيز بقدرة 260 ألف برميل يوميًا.
وبصفة عامة، تتوقع وكالة الطاقة ارتفاع المعروض العالمي من النفط بنحو 1.9 مليون برميل يوميًا خلال عام 2025، ليصل الإجمالي إلى 104.8 مليون برميل يوميًا.
أما إدارة معلومات الطاقة الأميركية فتتوقع نمو المعروض من خارج أوبك+ بنحو 1.46 مليون برميل يوميًا، ليصل الإجمالي إلى 54.96 مليون برميل يوميًا عام 2025.
ويستعرض الجدول التالي من إعداد وحدة أبحاث الطاقة، مقارنة لتوقعات الطلب والمعروض بسوق النفط في 2025 بين المؤسسات الـ3 الكبرى، وفق أحد التقارير الشهرية:
ويستحوذ تحالف أوبك+ الذي يضم 22 دولة، من بينها روسيا، على قرابة نصف إنتاج النفط العالمي، وينسق أعضاؤه فيما بينهم سياسات الإنتاج لموازنة السوق عبر اجتماعات دورية على مدار العام.
وقرر تحالف أوبك+ في اجتماعه الأخير (5 ديسمبر/كانون الأول 2024) تمديد تخفيضات إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا لمدّة عام إضافي، حتى نهاية 2026، بدلًا من نهاية 2025، في إطار جهوده للحفاظ على توازن سوق النفط في 2025.
كما قررت الدول الـ8 المشاركة في تخفيضات الإنتاج الطوعية بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا، تمديدها لمدة 3 أشهر إضافية لتنتهي في مارس/آذار 2025، مع عودة هذه الكمية إلى الأسواق تدريجيًا على مدار 18 شهرًا تنتهي سبتمبر/أيلول 2026.
توقعات أسعار النفط في 2025
خفّضت إدارة معلومات الطاقة الأميركية التوقعات الشهرية لأسعار النفط في 2025، للمرة الخامسة على التوالي، استنادًا إلى مخاوفها الخاصة بضعف الطلب على الخام.
وتوقعت الإدارة في أحدث تقرير صادر عنها ديسمبر/كانون الأول 2024 أن يصل متوسط السعر الفوري لخام غرب تكساس الوسيط إلى 69.12 دولارًا للبرميل خلال 2025، بانخفاض 3.5% عن تقديرات نوفمبر/تشرين الثاني 2024، البالغة 71.60 دولارًا.
بينما تتوقع انخفاض السعر الفوري لخام برنت بنسبة 3.3%، ليصل إلى 73.58 دولارًا للبرميل في 2025، مقابل التقديرات السابقة البالغة 76.06 دولارًا.
على الجانب الآخر، تختلف تقديرات المؤسسات الأخرى لأسعار النفط في 2025، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضًا حادًا لخام برنت إلى 72.8 دولارًا للبرميل خلال عام 2025، مقارنة بتقديراته البالغة 81 دولارًا للبرميل في 2024.
على الجانب الآخر، تتوقع غرفة الطاقة الأفريقية انخفاض متوسط أسعار النفط (خام برنت) في 2025 إلى 83 دولارًا للبرميل، مقارنة بمتوسطها المقدر عند 88 دولارًا عام 2024.
بينما توقّع بنك الاستثمار السويسري "يو بي إس" وصول خام برنت إلى 80 دولارًا للبرميل عام 2025، استنادًا إلى تحليل منحنيات الأسعار في عام 2024.
هل يستطيع ترمب زيادة إنتاج النفط الأميركي؟
أطلق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب سلسلة واسعة من الوعود الانتخابية في قطاعات الطاقة والمناخ والاقتصاد والتجارة الدولية وغيرها، وقد تؤثر في سوق النفط خلال 2025.
وكان من ضمن وعوده الأكثر جدلًا ادعاؤه قدرته على زيادة إنتاج النفط الأميركي بسرعة، وخفض أسعار البنزين في الولايات المتحدة، عبر شعار ردّده كثيرًا "احفر يا عزيزي احفر".
كما زعم ترمب، في خطاب ألقاه في النادي الاقتصادي في نيويورك (5 سبتمبر/أيلول الماضي)، أنه لو كان رئيسًا لأميركا خلال المدة السابقة لكان إنتاج النفط الأميركي أعلى بـ4 مرات مما هو عليه الآن، رغم أنه وصل خلال 2024 إلى مستوى قياسي جديد عند 13.2 مليون برميل يوميًا.
ويستعرض الرسم التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، إنتاج النفط الخام الأميركي شهريًا بين عامي 2020 و2024:
وشملت وعود ترمب إنهاء تأخيرات التراخيص والموافقات التنظيمية والقضاء على العقبات البيروقراطية التي تعوق مشروعات النفط والغاز الأميركية.
ويستعد الرئيس الجمهوري لإصدار أوامر إدارية لتحفيز إنتاج النفط والغاز الطبيعي على مستوى الولايات المتحدة فور تسلّمه السلطة رسميًا في 20 يناير/كانون الثاني 2025.
ومن المتوقع أن يسعى ترمب إلى إعادة برنامج وزارة الداخلية لتأجير الحقول البحرية، الذي يتيح للحكومة تأجير مساحات واسعة من الأراضي البحرية لاستخراج النفط والغاز، وهو البرنامج الذي أوقفه بايدن في بداية ولايته، ثم تراجع عنه جزئيًا مع دخوله في نزاعات قضائية مع عدد من الولايات المنتجة للنفط والغاز.
كما يتوقع أن يسعى الرئيس لاحقًا إلى تخفيف القيود البيئية المحلية والدولية التي تعرقل صناعة النفط والغاز، بما في ذلك احتمالات انسحابه من اتفاقيات المناخ الدولية التي عاد إليها بايدن.
ورغم توقع كل ذلك من ترمب، لكن وعوده بإحداث زيادة كبيرة في إنتاج النفط الأميركي في الأجل القريب أو المتوسط مبالغ فيها بصورة كبيرة، وتستند إلى عقلية قديمة تعود إلى ظروف ولايته الأولى عام 2015، بحسب خبير أسواق الطاقة الدكتور أنس الحجي.
مقارنة أوضاع قطاع النفط الأميركي 2015-2025
يستند الدكتور أنس الحجي، في تقديراته، إلى اختلاف الظروف الاقتصادية والسياسية الحالية عن تلك التي شهدتها ولاية ترمب الأولى عام 2015، بصورة تكاد تكون جذرية.
فقد جاء تولي ترمب منصبه في الولاية الأولى بعد مدة شهدت انهيارًا في أسعار النفط بين عامي 2025 و2016، ما أدى إلى انخفاض حاد في إنتاج النفط الأميركي بأكثر من 1.8 مليون برميل يوميًا مقارنة بما كان متوقعًا وقتها.
وقد أسهم هذا الوضع في دفع الشركات الأميركية إلى توسيع إنتاجها مجددًا، بمجرد حصولها على دعم الإدارة الأميركية الجديدة، ما يفسّر نجاح ترمب في زيادة الإنتاج الأميركي خلال ولايته الأولى.
أما الآن، فإن الأوضاع الاقتصادية تمثّل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق نتائج قريبة، فقد تضاعفت أسعار الفائدة أكثر من 3 مرات مقارنة بمستوياتها شبه الصفرية عام 2015، ما أسهم في خلق تحديات تمويلية كبيرة أمام مشروعات التوسع في قطاع النفط والغاز الأميركي.
كما تغيّر هيكل سوق النفط الأميركية خلال هذه المدة بصورة واسعة، إذ كانت الشركات الصغيرة والمتوسطة تهيمن على قطاع النفط الصخري عام 2015، في حين تحوّلت الهيمنة الآن إلى الشركات الكبرى، مثل إكسون موبيل وشيفرون وغيرهما، بعد عمليات دمج واستحواذ واسعة خلال السنوات الماضية.
وتختلف إستراتيجيات الشركات الكبرى عن الصغرى التي كانت تركز على زيادة إنتاجها لبيعه إلى شركات أكبر، في حين تركز الشركات العملاقة على استدامة الإنتاج وضمان أرباح طويلة الأجل تساعد على جاذبيتها لدى المستثمرين، بحسب الحجي.
بالإضافة إلى ذلك، تحقق شركات النفط الأميركية أرباحًا تاريخية نتيجة ارتفاع أسعار الخام، في حين كانت تحقق خسائر في الماضي، بسبب انخفاض أسعاره، ما سيجعلها حذرة في الاستجابة لدعوات ترمب لزيادة الإنتاج.
وثمة نقطة أخرى يلفت الحجي النظر إليها، وهي أن وعود ترمب بخفض أسعار البنزين بسرعة، ربما تتعارض مع رغبته في زيادة إنتاج النفط الأميركي بسرعة وعلى نطاق واسع، لأن ذلك سيصطدم بمصالح المنتجين الراغبين في توازن السوق على الأقل للحفاظ على أسعار مجدية لهم.
واستنادًا إلى هذه الفروق بين ظروف ولاية ترمب الأولى وولايته الحالية، لا يتوقع الحجي زيادة إنتاج النفط الأميركي بالحجم الذي وعد به الرئيس الجمهوري على المدى القريب وربما المتوسط.
الخلاصة..
تتفق منظمات أوبك ووكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأميركية على أن سوق النفط في 2025 ستشهد نموًا على مستوى الطلب والمعروض من خارج تحالف أوبك+، في حين تتفاوت توقعات أسعار النفط من مؤسسة إلى أخرى، لتتراوح من 72 دولارًا إلى 83 دولارًا للبرميل.
كما تختلف التقديرات بشأن تصريحات ترمب حول زيادة إنتاج النفط الأميركي وخفض أسعار البنزين بصورة سريعة، لاختلاف الظروف الاقتصادية والسياسية وهيكل سوق النفط في 2025، مقارنة بولايته الأولى عام 2015.
يمكنكم متابعة المزيد من حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2024 عبر الضغط (هنا)، كما يمكن الاطّلاع على حصاد عام 2023 (هنا).
المصادر:
- توقعات سوق النفط في 2025 من تقرير أوبك.
- توقعات الطلب على النفط من إدارة معلومات الطاقة.
- توقعات معروض النفط من وكالة الطاقة الدولية.
- توقعات غرفة الطاقة الأفريقية لأسعار النفط من تقريرها الأخير.
- تحليل وعود ترمب لزيادة الإنتاج الأميركي من أنسيات الطاقة.