يعتبر فهم الفرق بين الإدغام والإخفاء من الجوانب الأساسية التي يجب على كل مهتم بتجويد القرآن الكريم معرفتها،فهذه المفاهيم تمثل جزءًا مهمًا من التراث النحوي والقرائي الذي أسسه علماء المسلمين، والذي يعكس دقة وضبط اللغة العربية في مختلف جوانبها،الإدغام والإخفاء ليسا مجرد تفاصيل تقنية، بل يجسدان الأساليب الصحيحة لنطق الكلمات، والتي كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد أظهرها من خلال قراءته للقرآن الكريم،في هذا المقال، سنستعرض المفهومين، أنواع الإدغام والإخفاء، وأهم الفرق بينهما.
الفرق بين الإدغام والإخفاء
- حروف الإدغام تشمل ستة أحرف مجمعة في كلمة “يرملون”، وتقسم إلى نوعين الإدغام بغنة، حيث يشمل الحروف “ي، ن، م، و”؛ والإدغام بدون غنة، الذي يشمل الحرفين “ل” و”ر”.
- أما حروف الإخفاء، فهي خمسة عشر حرفًا غير موجودة في قواعد “الإظهار”، و”الإدغام”، و”الإقلاب”.
- تتضح الفروقات بين مصطلحي الإدغام والإخفاء من خلال نقاط متعددة
- تحدث حالة الإدغام عندما تتواجد الحروف الخاصة، مما يُنتج عنه تشديد في النطق.
- في حين أن الإخفاء يتمثل في استتار الحرف في النطق.
- الإدغام يعني جمع حرفين في نطق واحد.
- بينما الإخفاء يحثّ على تخفي أحد الحروف، يتم ذلك وفقًا لشروط التجويد.
مفهوم الإدغام ووظيفته
الإدغام بعبارة بسيطة يعني اقتران الساكن بالمتحرك، بحيث يتم الجمع بينهما في نطق واحد، مما يظهر تأثيرًا للقوة والتشديد عند النطق،وتمثل هذه الطريقة إحدى الأساليب الأربعة في معالجة النون الساكنة أو التنوين الموجود في نهاية بعض الكلمات في القرآن، وهذه الأنواع الأربعة هي الإظهار، الإخفاء، الإقلاب والإدغام.
الإدغام بغنة يعني خروج صوت رخيم من الأنف عندما يتواجد الساكن الثاني مع أحد حروف كلمة “ينمو”،وفي حالة وجود هذه الأحرف مع النون الساكنة أو التنوين، يتم إدغام النون في حرف الإدغام الموجود في بداية الكلمة التالية،مثال على ذلك يظهر في قوله تعالى “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ…”، حيث يتم نطق النون في “مَن” والياء في “يقول” مما يُسمع كصوت واحد.
الإدغام بدون غنة يتمثل في اقتران الحرفين “ر” و”ل” بالنون الساكنة أو التنوين، مع وجودها في بداية الكلمة الثانية،مثال آخر هو قوله تعالى “أُولَئكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ…”، حيث يتم تحقيق الإدغام في هذا السياق.
تعريف الإخفاء ووظيفته
يمكن تعريف الإخفاء بأنه طريقة للتعامل مع النون الساكنة أو التنوين من خلال إزالة النطق، ويضم خمسة عشر حرفًا،تتمثل هذه الحروف في “ص، ذ، ث، ك، ج، ش، ق، س، د، ط، ز، ف، ت، ض، ظ”.
يمكن للمتعلمين أن يستبدلوا حفظ حروف الإخفاء بتفنيذ الأنواع الأخرى من التعامل مع النون الساكنة، من خلال طرح أسئلة معينة،في حال كان الحرف الموجود في بداية الكلمة الثانية من حروف الإدغام، أو من بين حروف الإظهار، فإن المتعلم يصل إلى النطق السليم،وتعتمد مراتب الإخفاء على قرب النطق من النون، فهناك حروف قريبة وواضحة مثل الطاء والدال.
أسباب الإدغام في التجويد
بعد دراسة الفرق بين الإدغام والإخفاء، نجد أن هناك أسبابًا متعددة وراء الإدغام، منها تشابه الحرف الأخير في الكلمة الأولى مع الحرف الأول في الكلمة الثانية، مما قد يؤدي إلى التباس في النطق إذا لم يتم استخدام الإدغام،حتى التقارب بين الحروف يسهل الإدغام كوسيلة ملائمة في بعض الحالات.
أسباب الإخفاء في التجويد
يعود سبب الإخفاء إلى الحاجة للتقليل من التناقص بين مخرج النون الساكنة والتنوين،ومن خلال ذلك، يُمكن للهجات السلسة أن تتجلى في النطق، حيث يقلل الإخفاء من التداخل النطقي خلال القراءة.
أمثلة على الإدغام في القرآن
القرآن الكريم يحتوي على العديد من أمثلة الإدغام بغنة وبدونها، كما يلي
1- أمثلة على الإدغام بدون غنة
- ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 47].
- ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].
- ﴿فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 37].
- ﴿ …،مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ…﴾ [البقرة: 25].
2- أمثلة على الإدغام بغنة
- حرف الواو {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: 3].
- حرف الياء ﴿أوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [سورة البقرة: 19].
- حرف النون ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ﴾ [سورة الغاشية: 8].
- حرف الميم ﴿مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ [الزمر: 40].
3- أمثلة على الإدغام الكامل والناقص
الإدغام الكامل يتمثل في إسقاط الحرف المدغم، مما يظهر إدغاله في التالي له كصفة، ويكون هذا مع الحروف في كلمة “يرملون” كقوله
- (إِذ ظَّلَمُواْ).
- (ارْكَب مَّعَنَا)
- (قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا).
- (قَد تَّبَيَّنَ).
- (وَدَّت طَّآئِفَةٌ)
- (يَلْهَث ذَّلِكَ).
الإدغام الناقص يتمثل في إدغام الحرف في التالي، بحيث يمحى جزء من النطق، خصوصًا مع حرفي الواو والياء، على نحو ما يظهر في قوله
- (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)
- (مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)
أمثلة على الإخفاء من القرآن
عندما تتواجد النون الساكنة مع أحد حروف الإخفاء في كلمتين متعاقبتين أو في كلمة واحدة، يحدث اختفاء الحرف الذي يليها، كما في
- ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْف ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً﴾ (الروم 54).
- ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة 22).
- ﴿لَن تَـنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُـنفِـقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ (آل عمران 92).
- ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَنـاً فَـيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً﴾ (البقرة 245).
- ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِـقُونَ﴾ (المرسلات 35).
- ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ (البقرة 50).
- ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَـأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَـاتِيَةٍ﴾ (الحاقة 6).
- ﴿وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ﴾ (الأنعام 8).
- ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُـمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَـفُورٌ﴾ (هود 9).
- ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ (آل عمران 144).
ختامًا، يُعتبر فهم الفرق بين الإدغام والإخفاء من الأمور الأساسية التي تعين القارئ على تجويد القرآن الكريم بشكل صحيح،إن الممارسة والمداومة على استخدام هذه القواعد أثناء القراءة تعزز قدرة المتعلمين على ترسيخ قواعد التجويد وأصول النطق الصحيح،لذا، يجب على المقبلين على دراسة التجويد توخي الدقة والإحاطة بكل ما يتعلق بتفاصيل هذه الأمور، لما لها من أثر كبير على الفهم والقراءة السليمة للقرآن.
