انطلقت اليوم الثلاثاء في الدار البيضاء، أشغال النسخة السادسة من القمة الإفريقية الرقمية، التي ينظمها تجمع المعلنين في المغرب (GAM)، تحت رعاية الملك محمد السادس، والتي مكنت من تجميع وتقريب أهم الفاعلين في القطاع الرقمي في المملكة والقارة السمراء، وأتاحت استكشاف الفرص والتحديات التي يطرحها دمج الذكاء الاصطناعي.
جاء هذا الحدث في سياق يشهد تحولات سريعة، إذ يشكل الذكاء الاصطناعي مصدرا للفرص والتحديات في الوقت ذاته، خصوصا فيما يتعلق بمجالات الطاقة وإدارة المواهب، فيما يشكل هذا اللقاء فرصة للتفكير العميق حول مستقبل إفريقيا الرقمي، علما أنه منذ انطلاقها في 2014، أصبحت القمة الإفريقية الرقمية منصة حقيقية للتبادل والشبكات، تجمع بين العلامات التجارية والمعلنين والشركات الناشئة لخلق تجربة غنية في أحدث اتجاهات المجال الرقمي.
جرى خلال هذا الحدث الوطني والقاري، تخصيص مساحة للشركات الناشئة، وهي عنصر أساسي في القمة، ما أتاح لهذه الشركات الفتية فرصة لقاء صناع القرار المغاربة والدوليين، وبالتالي تعزيز الابتكار وربط العرض بالطلب، وذلك في ظل وجود متحدثين رفيعي المستوى وخبراء في المجال الرقمي، إذ ركزت هذه النسخة السادسة على تحفيز التحول الرقمي في القارة السمراء، ما يساهم في إطلاق وتسريع استراتيجيات رقمية جديدة لمستقبل إفريقيا.
الاستثمار في الشركات الناشئة
غيثة مزور، الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أكدت أن اختيار الذكاء الاصطناعي لهذه النسخة السادسة من القمة الإفريقية الرقيمة يستند إلى أهميته المتزايدة في النظام البيئي الرقمي، ويعكس الاهتمام المتزايد بهذه التكنولوجيا، موضحة أن الاستراتيجية الوطنية “المغرب الرقمي 2030″، التي تم الكشف عنها مؤخرا، جاءت استجابة لنداء الملك محمد السادس، الذي دعا إلى الاستفادة الكاملة من الفرص التي تتيحها التحولات الرقمية.
وأفادت مزور خلال كلمة لها في افتتاح أشغال القمة بالدار البيضاء، بأن استراتيجية “المغرب الرقمي 2030” تركز على ضرورة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات العمومية، وتشجيع نمو الشركات الناشئة، وجذب الشركات الدولية، وذلك بهدف تمكين المغرب من التموقع كرائد رقمي في القارة الإفريقية، مشددة على أن “المواهب تشكل جوهر هذه الثورة الرقمية، وهي المحرك الحقيقي للتنمية التكنولوجية في المملكة”، مشيرة إلى أهمية تشجيع القطاع الخاص للشركات الناشئة المغربية في قطاع الرقمنة، ودعم الاستثمار فيها، باعتبار أن سبع شركات عالمية الأكبر حاليا كانت في بدايتها “شركات ناشئة”.
وأوضحت الوزيرة أنه “لتلبية المتطلبات المتزايدة للقطاع الرقمي، يطمح المغرب إلى زيادة عدد الخريجين بشكل كبير، من 8 آلاف خريج إلى 22 ألفا و500 سنويا بحلول 2027. التقدم ملموس بالفعل، إذ يشكل الموسم الدراسي 2023-2024 نقطة تحول مع اعتماد 144 برنامجا جديدا في المجالات الرقمية في 12 جامعة عمومية بالمملكة. تغطي هذه البرامج مجالات متنوعة، مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة (Big Data)، والأمن السيبراني. هذا العرض الموسع جاء استجابة للطلب المتزايد من الطلاب، حيث ارتفعت نسبة التسجيلات بنسبة 110 في المائة، لتصل إلى 21 ألفا و500 طالب خلال الدخول الجامعي الماضي. ومن بين التخصصات، يتميز الذكاء الاصطناعي بأكثر من 40 برنامجا معتمدا عبر المملكة”.
الاهتمام بالجيل “ألفا”
بدوره، شدد عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، في كلمة له خلال افتتاح أشغال القمة الإفريقية الرقمية، على ضرورة الانتباه لصعود جيل “ألفا”، الذي ولد في ظل التحول الرقمي، واستعمال أجهزة “الآيباد”، مؤكدا أن هذا الواقع يفرض إعادة النظر وتحيين طرق وأساليب التكوين، مشيرا إلى أن الوزارة حرصت على إدخال مهارات رقمية (digital skills) قي كل وحدة تكوين جامعية، بما في ذلك الجغرافيا والتاريخ والعلوم وغيرها، معتبرا أن الجامعات يجب أن تنسق تكويناتها مع متطلبات سوق الشغل، واحتياجات المقاولات، مبرزا أهمية الرقمنة والذكاء الاصطناعي في تعزيز ولوج الطلبة إلى العلوم والتكنولوجيات الحديثة، التي تساعدهم على بناء حياتهم المهنية.
وقال ميراوي إن وزارته تفاعلت مع التوجيهات الملكية الرامية إلى تأهيل العنصر البشري، وتزويده بجميع المهارات التي تجعله قادرا على التكيف مع التحديات المعاصرة، خصوصا الولوج إلى سوق الشغل، مشيرا إلى تعميم المهارات الرقمية والذكاء الاصطناعي على جميع الجامعات والمدارس العليا، بما في ذلك مدارس المهندسين، مشددا على أن هذه الوسائل الرقمية أحدثت ثورة في تكوينات مثل الطب، من خلال مشاهدة تدبير عمليات جراحية بين فرنسا والصين مثلا، واستشارة أطباء بواسطة الذكاء الاصطناعي أيضا، وكذا العيادات الطبية الرقمية “تيلي ميدسين”، منبها إلى أهمية التحول نحو الاهتمام بتكوين المواهب واستغلال الرقمنة لتحقيق الاستفادة القصوى منهم.
من جهته، أشار يوسف الشيخي، رئيس تجمع المعلنين في المغرب، إلى تزامن النسخة السادسة من القمة الإفريقية الرقمية مع عيد الميلاد الأربعين للتجمع، موضحا أن المغرب هو البلد الذي يمتلك نظام قياس للمتابعة أوتوماتيكيا في إفريقيا، ما يؤهله ليصبح منصة محورية لتبادل الأفكار والخبرات، تساهم بشكل فعال في تعزيز التحول الرقمي على مستوى القارة، وتوفير بيئة تفاعلية تجمع بين المعلنين والشركات الناشئة والخبراء في المجال الرقمي، مؤكدا أهمية الدور الذي تلعبه التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، في دفع عجلة الابتكار وتعزيز نمو الشركات في القارة السمراء، معلنا التزام تجمع المعلنين بدعم الجهود المبذولة لتمكين الشركات والمؤسسات من الاستفادة الكاملة من الفرص التي تتيحها التحولات الرقمية.
وتستمر القمة الإفريقية الرقمية السادسة لمدة يومين، وتقدم برنامجا غنيًا ومتنوعا يناقش القضايا الرئيسية في مجال الرقمنة. وسيتاح للمشاركين الفرصة لحضور جلسات عامة وتفاعلية مع خبراء، ستتناول مواضيع مثل تأثير الذكاء الاصطناعي على التسويق الرقمي، الاتجاهات التكنولوجية الناشئة، بالإضافة إلى التحديات والفرص المرتبطة بالتحول الرقمي.