أوضح محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن ترتيب المغرب ضمن مؤشر إدراك الفساد لم يتحسن سوى بنقطة وحيدة طيلة العقدين الماضيين، في الوقت الذي استمر تدهور ترتيبه في باقي المؤشرات الأخرى المرتبطة بمكافحة الفساد، راصدا في الآن ذاته تعرّض أكثر من عشرين في المئة من المقاولات المغربية لأعمال الفساد، معتبرا أن أثر مكافحة هذه الظاهرة على المغرب ما يزال ضعيفا.
وقال الراشدي في ندوة صحافية عقدها هذا اليوم بالرباط لتقديم تقرير الهيئة السنوي لسنة 2023، إن “وضع المغرب في جميع مؤشرات مكافحة الفساد لم يتحسن خلال العشرين سنة الماضية، بحيث لم يتقدّم في مؤشر إدراك الفساد سوى بنقطة واحدة، وهو ما يعاكس انتظارات المواطنين”، مسجّلا “بصم مؤشرات استقلال القضاء وحرية الصحافة والخدمات على الإنترنت المنبثقة عن مؤشر النزاهة العمومية بدورها على الأداء السلبي نفسه”.
وأوضح الراشدي أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد كانت وضعت هدف التقدم بـ23 نقطة في مؤشر إدراك الفساد، إلا أنه لم يتم تحقيق سوى نقطة واحدة منها لتصل المملكة ضمن هذا المؤشر إلى 38 نقطة، معتبرا أن تقييم الهيئة لهذه الاستراتيجية يبرز عدم تحقيقها الأهداف المسطرة على مستوى العديد من المؤشرات الأخرى.
وسجّل التقييم ذاته، وفقا للراشدي، وجود العديد من “النواقص الجوهرية” في الاستراتيجية، ترتبط أساسا بعدم التجانس في دقة المشاريع والتنفيذ القطاعي المجزأ لأهداف الاستراتيجية، مبرزا من جهة أخرى “غياب التفاعل البناء للعديد من الجهات المعنية مع توصيات الهيئة في التقارير السابقة”.
واستدرك المتحدّث بأنه “جرى في المقابل تسجيل تجاوب نسبي بخصوص تصورّات الهيئة بشأن إعادة التصريح الإجباري بالممتلكات، وتنازع المصالح، وكذا مشروع قانون حماية الموظفين العموميين المبلغين عن أفعال الفساد، وهي كلها مشاريع تقدم فيها الهيئة آراءها بخصوص وجوب إدخال تعديلات عليها لتغطية بعض نواقصها، على أن الهيئة تبدي استعدادها لإعادة هيكلة مقترحاتها التي توجد صعوبات في أخذها بعين الاعتبار”.
مواصلا تقديم تشخيص الهيئة لوضعية الفساد خلال السنة الماضية، كشف الراشدي أن 68 في المئة من المقاولات المغربية تعتبر أن الفساد شائع جدا وواسع الانتشار بالمغرب، مبرزا تصريح أكثر من 23 في المئة من المقاولات بتعرضها لأعمال فساد مرتبطة بخدمات لديها وليس بامتيازات، غير أن “المثير أن مسؤولي المقاولات لا يبلغون عن التعرض إلا بنسب قليلة، والأسباب هي عدم النجاعة والخوف من الانتقام”، وفقه.
وأوضح رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها خلال الندوة ذاتها أن “الفساد الذي تتعرض له المقاولات المتضررة يرتبط أساسا بمجال التراخيص والاعتمادات والتصاريح والصفقات العمومية”.
على صعيد آخر، لفت المتحدّث ذاته إلى أن “أثر الإنجازات التي حققها المغرب في مجال مكافحة الفساد على المواطنين المغاربة ما يزال ضعيفا”، مبرزا أن “هذه الآفة ذات الانعكاسات الاقتصادية الكبيرة والتي تمس الدول النامية كما المتقدمة، تكلف المغرب سنويا من 3,5 إلى 6 في المئة من ناتجه الداخلي الخام، أي ما يمثل 50 مليار درهم، في الوقت الذي تكلف 4 في المئة من الناتج الخام العالمي، أي ما يعادل 2000 مليار دولار”.
وأوضح الراشدي أن “مكافحة الفساد مجال معقد وله خصوصياته؛ بالنظر إلى أن الفساد ظاهرة معقدة لا يمكن محاربتها بدون عمل شمولي، يدمج جميع الفاعلين في القطاعين الخاص والعام. وقد أبرزت الهيئة في هذا الإطار وعيها بمسؤولية مكافحة الفساد وقوّت قدراتها لجعل العمل في مكافحة الفساد فعالا وذا آثر”، مؤكدا أن “الهيئة فتحت خلال السنوات الماضية أزيد من 40 ورشا مباشرا متصلا بمجالات مكافحة الفساد”، وأن “المغرب بات يتوفر على مختلف المقومات للانتقال إلى محاربة الفساد”.
" frameborder="0">