بصمت الإحصائيات ومؤشرات المبادلات الخارجية للمغرب على أداء “متباين” خلال الأشهر التسعة المنصرمة من السنة المالية الراهنة، حسب مكتب الصرف في آخر بياناته، التي طالعت جريدة هسبريس نشرتها الكاملة.
وعلى الرغم من تسجيل “العجز التجاري ارتفاعاً بنسبة 3,9 في المائة عند متم شتنبر 2024 ليبلغ 222,63 مليار درهم مقابل 214,18 مليار درهم قبل سنة”، يرى خبراء اقتصاديون أن المؤشرات، في مُجملها، تصب في اتجاه تعزيز النشاط الاقتصادي والتجاري للاقتصاد المغربي الذي بصم عليه منذ بداية هذا العام.
وأوضح مكتب الصرف، في نشرته المتعلقة بالمؤشرات الشهرية للمبادلات الخارجية، أن هذا التطور يشمل ارتفاع الواردات من السلع إلى 554,14 مليار درهم (بنسبة 4,8 في المائة)، وكذا ارتفاع الصادرات إلى 331,51 مليار درهم (بنسبة 5,3 في المائة)، مضيفا أن معدل التغطية كسب 0,3 نقطة ليبلغ 59,8 في المائة.
“إيجابية تعكس الدينامية”
تعليقاً على أبرز أرقام ومؤشرات النشرة الرسمية عن المبادلات الخارجية، قال محمد عادل إيشو، الخبير في المالية العمومية والأستاذ الجامعي في علوم الاقتصاد، إن “تحليل البيانات الأخيرة للمكتب المغربي للصرف لعام 2024 يَدفعنا إلى ملاحظة تطورات إيجابية في المؤشرات الخارجية للمغرب التي تعكس دينامية الاقتصاد”.
وأضاف أن “الزيادة في الصادرات بنسبة 5.3 بالمائة لتصل إلى 331.514 مليون درهم، وارتفاع الواردات بنسبة 4.8 بالمائة إلى 554.148 مليون درهم، مؤشران بارزان يُشيران إلى تعزيز النشاط الاقتصادي والتجاري للمملكة خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام”.
وأشار إيشو، في إفادات تحليلية لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أنه يمكن تفسير “الأسباب الرئيسية لتفاقم العجز التجاري بعوامل بنيوية تتعلق بتنافسية المقاولات المحلية. إضافة إلى ذلك هناك أسباب تتعلق بالظروف الدولية المرتبطة بارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل السكر والقمح والمواد البترولية، نظرًا لكون المغرب يستورد كل حاجاته من مواد الطاقة من الخارج”، مبرزا أن ذلك “يفاقم وضع العجز التجاري وتوازنات التجارة مع دول العالم”.
“تحسن التنافسية الصناعية”
فيما يخص القطاعات، أوضح إيشو أن “النمو الملحوظ في قطاعات السيارات والفوسفات مؤشرٌ على تحسُّن القاعدة الصناعية للمغرب وقدرتها التنافسية في الأسواق العالمية”، لافتا إلى كون “الاستثمار في المعدات والمنتجات التكنولوجية يعزز استعداد البلاد للمستقبل، ويدعم استراتيجيات التنمية الصناعية طويلة المدى”.
وأضاف أن تحليل قطاع الخدمات أبان عن “ارتفاع في الواردات والصادرات، مما يدلّ على توسع في قطاعات الخدمات المالية والسياحية والتكنولوجية، رغم أن تراجع فائض الميزان التجاري للخدمات يستلزم مزيدًا من الفحص لفهم التحديات والفرص في هذا القطاع”.
“بالنظر إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة نلاحظ زيادة كبيرة في الإيرادات وانخفاضا في النفقات، مما يعكس بيئة استثمارية جذابة في المغرب، وثقة الأسواق الدولية في الاقتصاد المغربي”، يرصد إيشو، مشيرا في ختام حديثه مع هسبريس إلى أن “البيانات الأخيرة تُبشر بأن المغرب يتقدم في مسار تعزيز اقتصاده وتحسين أدائه التجاري، مع ضرورة التركيز على تعزيز البنية التحتية وقطاعات الصناعة والخدمات للتغلب على التحديات الحالية وتعزيز النمو المستقبلي”.
التحول البنيوي في الاقتصاد
مِن منظور عبد الرزاق الهيري، مدير مختبر “تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية” (جامعة فاس)، فإن النشرة الشهرية لمكتب الصرف تَكشف أن “المغرب لا يزال في مسار الدينامية نفسِها التي انخرط فيها منذ عدة سنوات”، مبرزا أنها “دينامية عاكسة للتحوُّل البنيوي الذي عَرَفه قطاع التجارة الخارجية”.
وأوضح الهيري، في تصريح لهسبريس، أن هذا التحول البنيوي مُرتبط كذلك بتطور نمو الاقتصاد الوطني “بفعل الآثار الإيجابية للاستراتيجية القطاعية التي انتهجها المغرب منذ أكثر من 20 سنة”، قبل أن يثير عدة “ملاحظات وجيهة” بشأن تطور بيانات المبادلات الخارجية.
الملاحظة الأبرز تتمثل، وفق الخبير الاقتصادي ذاته، في كون “الميزان التجاري المغربي لا يزال يُسجل عجزاً نظراً لمجموعة من المعيقات والعجز التجاري”. وأضاف أن “استمرار الواردات في التفوق على الصادرات يعني أن وتيرة تطور الواردات مرتفعة بالنسبة لتطور الصادرات، وهذا يَطرح إشكاليتيْن: أولا، يجب تحسين تنافسية الصادرات المغربية. وثانيا، من جهة الواردات يجب العمل على استبدال الواردات بالإنتاج الوطني كما أتى بذلك البرنامج الحكومي، وتعمل وزارة الصناعة والتجارة على هذا الورش”.
بالمقابل نوّه الهيري بوجود “مؤشرات إيجابية تهم عائدات السياحة التي واصلت منحى ارتفاعها، وكذلك العائدات المتعلقة بتحويلات مغاربة العالم، التي لا تزال في المنحى التصاعدي نفسه، وتسجل ارتفاعا واضحا من سنة إلى أخرى، وهذا ما أكدت عليه الأرقام إلى متم شتنبر 2024”.
المنحى نفسه يبصم، وفق المحلل ذاته، “دينامية الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي بلغت 28 مليارا و700 مليون درهم متم شتنبر 2024؛ وهو رقم يقترب من عائدات الاستثمارات لسنة 2022 (30,5 مليار درهم)”.
وتابع قائلا: “هي نتائج جيدة ننتظر تحسينها في المستقبل القريب. بل دعم القطاعات الإنتاجية بدعم التنافسية المقاولة المغربية، وكذلك بدعم البحث العلمي من أجل استبدال الواردات بالإنتاج المحلي لما لذلك من أثر إيجابي على النمو الاقتصادي وعلى السيادة الاقتصادية، وفي تسريع وتيرة خلق مناصب الشغل”.