طالب متخصصون في تدريس اللغة الأمازيغية عز الدين الميداوي، الوزير الجديد للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بتمكين هذه اللغة من “تمييز إيجابي” حتى تستطيع أن “تتموقع في الخريطة التربوية الوطنية بما يليق بها كلغة دستورية”، معتبرين أن “القضاء على الخصاص، الذي يتمّ الحديث عنه كلّ مرة، في الموارد البشرية المتخصصة ممكن انطلاقا من توسيع بنية ‘تمازيغت’ في الجامعة المغربية، كي تصل إلى الأهداف المعلنة حيال تعميم تعليمها”.
تمييز إيجابي
لحسن أمقران، أستاذ بشعبة الأمازيغية بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، قال إن “انتعاش الدراسات الأمازيغية في الجامعة رهين بوضع هذه اللغة في قطاع التربية الوطنية؛ وبالتالي رهين يتوفر إرادة سياسية حقيقية في تنزيل رسمية اللغة الأمازيغية، والحاجة إلى متخصصين في هذه اللغة”، فـ”لا يمكن أن ننكر أن قطاع التربية الوطنية هي ‘سوق الشغل’ الأولى أمام خريجي الدراسات الامازيغية، الذين يغنونها لسانيا، أدبيا، أنثتربولوجيا وديداكتيكيا في أبحاثهم ودراساتهم”.
وبالنسبة لهذا الأستاذ الذي يشتغل بشعبة الأمازيغية بالمدرسة العليا للأساتذة بالعاصمة، فإن “العوائق والإكراهات داخل الجامعات لا تتجاوز بعض العقليات التي لا تزال تتوجس من الأمازيغية لأسباب ذاتية بالدرجة الأولى”.
وفي هذا الصدد، علق المتحدث ذاته “آمالا كبيرة” على الوزير الجديد “في توسيع قاعدة العرض الجامعي في الدراسات الأمازيغية، من خلال مضاعفة المناصب المالية المخصصة لهذا التخصص وفتح الباب أمام الكفاءات لولوج الجامعة، نتمنى أن تحظى الدراسات الامازيغية في الجامعة بغير قليل من الاهتمام”.
ووضح أمقران، في حديث لهسبريس، أن “منح هذا التخصص شيئا من التمييز الإيجابي يتأتى من خلال تعميم شعبة الدراسات الأمازيغية في المدارس العليا للأساتذة والمدارس العليا للتربية والتكوين”، معتبرا أن “هذا التمييز الذي ننتظره يعزى إلى أن هذه الدراسات ترسخ تفرد وتميز الخصوصية المغربية وتكشف العمق المشترك والروابط المتينة التي تجمعنا كمغاربة بعيدا عن كل الاختلافات الظاهرية، وبالخصوص إلى كون الأمازيغية ورشا ملكيا بامتياز ورهانا للدولة المغربية”.
بصفته أستاذ جامعيا متخصصا في اللغة الأمازيغية ومواكبا عن كثب لمسار تدريس الأمازيغية في المدرسة كما في الجامعة، سجل المتحدث أنه عموما “شعب الدراسات الأمازيغية في الجامعة وواقعها أفضل بكثير من واقع حال اللغة الأمازيغية في المدرسة، فالإقبال لا يزال مقبولا رغم غموض الآفاق، وخصوصا مع التراجعات التي يسجلها تدريس اللغة الأمازيغية في السلك الابتدائي وتأخر إدماجها في السلك الإعدادي”.
التزامات رسمية
معاذ أشاوي، إطار تربوي متخصص في تدريس اللغة الأمازيغية، قال إن “الرهانات المطروحة على الوزير الجديد في ما يخصّ الأمازيغية تستدعي معالجة مغايرة تتصف بالفعل بتمييز إيجابي”، معتبرا أن “المشكلة التي كانت تواجهها الأمازيغية دائما هي الشرخ بين الشعارات الرسمية والتعهدات والالتزامات من جهة وبين العمل من جهة أخرى. كانت ‘تمازيغت’ محطّ تهميش أو يتمّ التعامل معها كشيء ثانوي”، بتعبيره.
أشاوي ذكّر وهو يتحدث لهسبريس أن “التعميم المأمول في أفق 2030، وفق استراتيجية الوزارة الخاصة بتدريس الأمازيغية، يحتاج إلى المزيد من الأطر؛ مما يعني المزيد من الشعب الجامعية المتخصصة في هذه اللغة”، مؤكدا “وجود تأخر واضح بالمقارنة مع انطلاق تصحيح المسار، الذي بدأ مع الوثيقة الدستورية وثم مع القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية الذي حدد سقفا زمنيا تبين أننا تجاوزناه في مارس الماضي دون تحقيق أشياء كثيرة”.
ونبّه المتحدث إلى “الفعل النضالي” الذي تعرفه جهة فاس مكناس بخصوص “تعزيز العرض الجامعي بكلية الآداب مكناس بشعبة للأمازيغية”، معتبرا أن “هذا الأمر يشكل حيفا واضحا وملفا مطروحا على طاولة الوزير عز الدين الميداوي”، مضيفا أن “عمادة الكلية ترفض بشكل قاطع إحداث الشعبة بدعوى أن الأطر غير متوفرة؛ والحال أن من الصلاحيات الموكولة للمسؤول الجامعي خلق مناصب جديدة للتباري”.
وقال أيضا إن “الأمر اليوم لم يعد منحصرا في مكناس كنطاق جغرافي فحسب، بل على المستوى الوطني نطالب الوزير الجديد بإحداث شعبة للأمازيغية بكلّ كلية على مجمل التراب الوطني”، مشددا في الختام على أن “تهيئة الظروف الملائمة لفائدة الأمازيغية ينصف لغة رسمية تعدّ أصلية للكثير من المغاربة؛ ما يجعلها في حاجة إلى العناية الرسمية للحفاظ عليها وتثمينها”، بالنظر إلى كونها مهددة بالاندثار.
ثوابت الجامعة
محند الركيك، أستاذ اللسانيات المقارنة والترجمة ورئيس سابق لشعبة اللغة الأمازيغية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس- فاس، ناشد وزير التعليم العالي إصدار تعليماته لعمداء الكليات ومدراء المدارس العليا للأساتذة، وحثهم، بل وأمرهم بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وخلق مسالك اللغة الأمازيغية، مشددا على “ضرورة تمكين كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس من مشروع تأسيس مسلك اللغة الأمازيغية”.
وذكر الركيك، في تصريحه لهسبريس، بـ”المحاولات الحثيثة لبعض الأساتذة التي تتواصل من أجل تجاوز هذا الخصاص”، مسجلا أيضا “التفكير في تشوير جدارية الكلية بأبجدية تيفناغ وباللغة الأمازيغية التي نصّ عليها الدستور لغة رسمية ووطنية إلى جانب اللغة العربية”، ومشيرا إلى ضرورة “تعامل الوزير بحزم مع أي مسؤول لا يحترم المقتضى الخامس من الدستور أو لا يحترم الثوابت الوطنية التي تدخل فيها اللغتان الرسميتان”.
واستحضر المتحدث ذاته ما أثاره سابقا رؤساء شعب الدراسات الإسلامية منذ أكثر من سنة حول “إقصاء الثوابت الدينية من الملفات الوصفية لشعب الدراسات الإسلامية”، معتبرا أن “إقصاء مسلك الدراسات الأمازيغية يندرج في هذه الخانة، باعتبار هذه اللغة من الثوابت اللغوية المغربية، ولا يختلف عن ذلك الذي يتعمد إقصاء المكونات الوطنية”، خاتما بالدعوة إلى “ضمان السلم الثقافي الوطني والأمن الروحي للمغاربة”.