تنفس العالم الصعداء بعد تراجع احتمالات نشوب حرب شرسة بسبب عودة «دونالد ترامب» إلى البيت الأبيض، وبتساؤل أكثر حذراً يأمل الشرق الأوسط فى إبعاد شبح الحرب الإقليمية، ووقف إطلاق النار فى غزة ولبنان.
الرهان على الطبيعة الشخصية لترامب غير المؤدلج، ورجل الأعمال البراجماتى الذى يدرك جيداً أن العالم بخرائطه السياسية وديناميكية صراعاته لم يعد هو نفس العالم الذى شهد دخوله البيت الأبيض لأول مرة عام ٢٠١٦.
إدارة بايدن الديمقراطية ارتكبت خطأ استراتيجياً بمحاولاتها ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو عبر سلسلة من الخطوات السياسية والإجراءات العسكرية، حذرت روسيا الاتحادية من التمادى فيها قبل أن تيأس من مناشداتها التى انتهت بشن عملية عسكرية خاصة ضد «كييف».
المحصلة: انتصار موسكو على المستوى الاستراتيجى، بيد أن المشكلة الأخطر التى نجمت عن خطأ بايدن الاستراتيجى تشجيع الصين وفتح شهيتها لابتلاع جزيرة تايوان وتنظيمها عدة مناورات عسكرية بحرية وجوية لوحظ نشاطها الزائد مع تصاعد وتيرة الصراع فى الشرق الأوسط.
خطيئة الإدارة الديمقراطية أدت إلى تحالف استراتيجى بين الدب الروسى والتنين الصينى لم يعبر عنه فقط التعاون الاقتصادى على مستوى الطاقة والتبادل التجارى المتنامى، وإنما ترجمته أيضاً المناورات البحرية المشتركة بين الأسطولين الحربيين الروسى والصينى فى بحر الصين الجنوبى والمحيط الهادى الشمالى.
الصراع التجارى المحموم بين الصين والولايات المتحدة أثناء ولاية ترامب الأولى [٢٠١٦ - ٢٠٢٠] تحول إلى مواجهة عسكرية شبه محتومة.
فى سياق تطور الحرب الروسية الإقليمية دخلت طهران فى تحالف استراتيجى مع موسكو على خلفية تطوير التعاون العسكرى بينهما وظهور الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية المدمرة ساحات المواجهة بين روسيا وحلف الناتو على الأراضى الأوكرانية.
كذلك دخلت طهران تحالفاً مماثلاً مع بكين وإن كان على خلفية اقتصادية بسبب البترول الإيرانى وطريق الحرير الصينى، إلا أن هذا التحالف منح الصين نفوذاً جيوسياسياً فى الشرق الأوسط مكَّنها من عقد اتفاق مصالحة بين السعودية وإيران تطور سريعاً ليصل إلى مرحلة إعادة فتح السفارات، ومن ثم فتح صفحة جديدة فى العلاقة بين إيران والعواصم الخليجية.
إيران لم تعد قوة إقليمية بلا ظهير دولى، فأثناء النظر إلى خريطة الصراع فى الشرق الأوسط لا ينبغى أبداً إهمال إطلالة التنين والدب برأسيهما فى خلفية اللوحة الإيرانية.
أى تصعيد يحول الصراع إلى حرب إقليمية بين الكيان الصهيونى والدولة الإيرانية يُعد فتيلاً لإشعال الحرب العالمية الثالثة.
التصدعات الكبيرة التى أحدثها «طوفان الأقصى» كشفت تلك الحقائق، وإصرار فصائل المقاومة فى فلسطين ولبنان على تحقيق انتصار يجبر العدو الصهيونى على الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية تطبيقاً للقرارات الأممية، من شأنه تسريع وتيرة اندلاع الحرب الثالثة، بسبب تعنت المحتل الصهيونى وإصراره على ارتكاب المزيد من جرائم الإبادة والقضاء على فصائل المقاومة، علاوة على إزالة النظام الإيرانى وتغيير خريطة الشرق الأوسط على نحو يناسب خرافاته الدينية.
مبدئياً قال ترامب فى خطاب النصر إنه لن يبدأ أو يستأنف حرباً، وإنما جاء لإرساء موقفه الرافض للحرب فى أوكرانيا، ما يعنى ابتعاد شبح الحرب العالمية الثالثة انطلاقاً من أوكرانيا.
وبحسب مراقبين قد يعود لاستئناف حربه التجارية ضد الصين عوضاً عن الصدام العسكرى معها حول جزيرة تايوان، ولأنه يدرك أن الشرق الأوسط بات البؤرة الأكثر سخونة، لن يعطى للكيان الصهيونى أكثر مما أعطى فى ولايته الأولى.
ترامب لا يريد الحرب مع النظام الإيرانى، وإنما تعديل سلوكه فقط، لذلك سيلجأ إلى وقف إطلاق النار فى غزة وجنوب لبنان وخفض التوتر فى سوريا والعراق وإنهاء الأزمة فى باب المندب، خاصة إذا ذهبت إيران إلى تعزيز علاقاتها مع دول الخليج على نحو لافت حتى ٢٠ يناير موعد دخوله البيت الأبيض.
لن يمنح ترامب القضية الفلسطينية الزخم السياسى المطلوب لفرض حل الدولتين، لكنه أيضاً لن يطلق العنان للإرهابى نتنياهو للمضى فى حرب الإبادة وسياسة التهجير، سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية.
كسر إرادة العدو الصهيونى بالحديد والنار والمزيد من الصمود، واستعداد الشرق الأوسط بمشروع إقليمى للحل تتشارك فى صياغته مع الدول العربية إيران وتركيا هو ما سيحدد طبيعة الدور الأمريكى مع ولاية ترامب الجديدة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.