بتتبع واسع وتثمين كبير، حظيَ نجاح مبادرة “مؤسسة وسيط المملكة” في تسوية “أزمة طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان”، مبرزا أن أدوار مؤسسات الوساطة والمجتمع المدني الحي قادرة على نزع فتيل الاحتجاجات وإحقاق الحقوق مع إرجاع الثقة المتبادلة بين أطراف الملفات موضوع الاختلاف.
وفي بلاغ رسمي، أنهت مؤسسة وسيط المملكة إلى علم الرأي العام الوطني “نجاح مبادرة التسوية التي قادتها بين الإدارة وبين طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، باعتبارها مؤسسة دستورية وطنية مستقلة لضمان تواصل مؤسساتي فعال”.
ومع تنامي عدد من الملفات المطلبية في قطاعات مهنية عديدة تبعث التسوية، التي تَرتب عليها “وضع حد لكل الأشكال الاحتجاجية المتخذة منذ ما يناهز أحد عشر شهرا، بعدما كانت بلغت حدّ المقاطعة التامة للدروس والامتحانات”، آمالا عريضة بشأن فاعلية خيار مأسسة الحوار والاحتكام إلى وساطة مؤسسة دستورية مستقلة في عدد من القضايا الاجتماعية الأخرى التي تشكل مثار تصعيد أو محط توتر بين الإدارة والمرتفقين أو بين الهيئات المدنية والإدارة.
وفي تصريحات استقتها جريدة هسبريس الإلكترونية، ثمّن عدد من نشطاء وفاعلي المجتمع المدني متعددي المشارب “مبادرة الوسيط” التي أنهت واحدا من أطول إضرابات طلبة بالمغرب، مُرسية جسور ثقة جديدة بين مختلف الفاعلين في المجتمع ومسارات اتخاذ القرار.
“ثقافة الحوار والإنصات”
معلقا على الموضوع أبرز أحمد مزهار، عضو ائتلاف مبادرات المجتمع المدني ورئيس شبكة القرويين للتنمية والحكامة، أنه “لا بد أن نؤكد بداية أن تسوية أزمة طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان تشير إلى نجاح مؤسسة وسيط المملكة في نزع التوتر الذي كان حاصلا بين أطباء الغد وبين وزارة التعليم العالي، وبالخصوص الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي”.
وتابع مزهار، في تصريح لجريدة هسبريس، بالقول إن “مثل هذه المؤسسات، التي تعد مؤسسات دستورية مستقلة تعنى بالوساطة بين الأفراد وبين الإدارات العمومية بعد أن تتلقى بعض الشكايات من قبل المواطنين الذين يشعرون بالظلم والتعسف من قبل إحدى الإدارات الحكومية، تقوم بدراسة هذه الشكاوى والتحقيق فيها والعمل على التدخل من أجل إيجاد حلول وديّة بين الأطراف المعنية”.
وشدد عضو ائتلاف مبادرات المجتمع المدني على أن مؤسسة الوسيط “تقدم خدمات جليلة بهدف تجاوز بعض التوترات التي يمكن أن تحدث، وتقوم بدور كبير في الوساطة من أجل تمكين المتظلمين؛ وفي ذلك إحالة على تسميتها السابقة “ديوان المظالم”؛ فعِوض أن يخرج إلى الشارع لأجل الاحتجاج والضغط يسلك المواطن مساطر قانونية دستورية من أجل الحصول على حقوقه.
وأكد الفاعل الجمعوي ذاته أن “التدخل لحل مشاكل المواطنين مع مؤسسات الدولة له دور كبير في تعزيز الاستقرار والأمن المجتمعي الضامن لاستمرارية المرافق والخدمات”.
وأضاف شارحا: “مؤسسات الوساطة الدستورية تقوم بأدوارها كاملة إذا توفر شرط مهم؛ وهو أن القائمين على هذه المؤسسات يجب أن يكونوا حريصين على حل إشكالات المواطنين، وأن يتمتّعوا بثقافة التشارك والتشاور والإنصات مع حسّ التجاوب السريع الفعال مع المطالب العادلة والمشروعة… ضاربا المثال بدور وسيط المملكة في ملف طلبة الطب، إذ وجدت في الوزير الجديد آذانا صاغية وتجاوبا إيجابيا منه مع مطالبها ومع وساطتها”.
وختم رئيس شبكة القرويين للتنمية والحكامة بالتأكيد على أن “جمعيات المجتمع المدني، كما هو محدد في دستور 2011، من أهم أدوارها الوساطة أيضا والمشاركة في مأسسة فضاءات التواصل والحوار والنقاش والتعاون بين السلطات العمومية والمواطنين.. وعملِها لتعزيز هذا التفاهم المتبادل بين مؤسسات الدولة والمواطنين من أجل فهم إكراهات مسلسل التدبير العمومي لاستباق جميع التوترات الممكنة”.
ولفت مزهار إلى أن “ثقافة التعاقد وثقافة الحوار والتشاور في اتخاذ القرار العمومي هي السبيل الوحيد المقوي لمسار المأسسة ومسار إنجاح مؤسسات دستورية؛ من قبيل مؤسسة الوسيط.. وبالتأكيد هي التي تسهم في توطيد وتطوير الحكامة الجيدة، وتوسيع وتعزيز الشفافية والنزاهة، مع تملُّك المواطنين للسياسات العمومية ومشاركتهم وانخراطهم في تطويرها وإرسائها”.
“تجربة ناجحة تنتظر الترصيد”
في تقدير علي لقصب، فاعل مدني بجهة فاس رئيس “جمعية مواطن الشارع”، فإن “مبادرات الوساطة المؤسساتية، بقيادة مؤسسة الوسيط، لعبت دورا محوريا في تقريب وجهات النظر بين مختلف المتدخلين والمعنيين في إيجاد تسوية مقبولة لأزمة طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان”، معتبرا أن ذلك مَرده للمصداقية التي تحظى بها هذه المؤسسة، ولأداورها التوفيقية والرامية إلى بناء قنوات التواصل وتعزيز آليات الحوار البناء وتقريب وجهات النظر المختلفة”.
ولفت لقصب، معلقا لـ هسبريس، إلى أنها “تجربة ناجحة يمكن البناء عليها مستقبلا سواء من طرف مؤسسة الوسيط باعتباره مؤسسة دستورية وطنية مستقلة تعمل على تعزيز التواصل المؤسساتي الفعال، وكذا من لدن جمعيات المجتمع المدني العاملة على قضايا الشأن العام، والتي تتمتع بقدر من الاستقلالية والمسنودة بأدوار دستورية مهمة في تعزيز الحوار المشترك وإيجاد الحلول والبدائل لعدد من التحديات المطروحة”.
وأكد الفاعل المدني أن ذلك “يُثمر غالبا نزع فتيل عدد من الاحتجاجات الاجتماعية”، كما يضمن “تقريب وجهات النظر بين صناع القرار على المستويين الوطني والترابي وحاملي المطالب ذات الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية”.
وسجل المتحدث أن نجاح التسوية المؤسساتية بالوساطة في ملف الطب سيدفع مختلف الهيئات الفاعلة، حكومية وغير حكومية، إلى “ضرورة إعطاء مساحات كبرى لمؤسسات الوساطة، وتعزيز مصداقيتها، وتزويدها بالإمكانيات والموارد الضرورية؛ لما يمكن أن تلعبه من أدوار مهمة في حل عدد من الإشكالات وفي إرساء أرضيات مشتركة للحوار والتشاور وإيجاد الحلول لمجموعة المشاكل والتحديات المطروحة على طاولة الفاعل العمومي”.