أثار رفض حزب العدالة والتنمية اتجاه الحكومة نحو “شرعنة مكاسب ألعاب الحظ” بفرض ضريبة على أرباحها خلال السنة المالية المقبلة تساؤلات الكثير من الباحثين والمهتمين بالشأن السياسي حول دواعي هذا الرفض ومدى انطوائه على “تناقض” مع “تسامح” الحزب خلال عشر سنوات من قيادته الحكومة المغربية مع مُساهمة الضرائب على الاستهلاك المفروضة على التبغ والخمور والمشروبات الكحولية في إيرادات الميزانية العامة للدولة.
وانتقد حزب العدالة والتنمية، في ندوة صحافية نظمها أول أمس الاثنين بمقره المركزي في الرباط حول مشروع قانون المالية لسنة 2025، الخُطوة الحكومية؛ لأن “شرعنة مكاسب ألعاب القمار والحظ غير دستورية، بحكم أنها تعارض ما ينص عليه الدستور حول التنشئة السليمة للأسر المغربية التي دمرتها هذه الآفة”.
وقرأ باحثون ومهتمون في الشأن السياسي في موقف حزب “المصباح” “استمرارا في محاولة الركوب على المسألة القيمية من أجل العودة لتصدر المشهد السياسي من جديد، خاصة أن الحزب لم يقم بإلغاء الرسوم على الخمور والتبغ، هذه المواد التي يُناقض تعاطيها المرجعية الإسلامية؛ بل أكثر من ذلك ذهب نحو رفض الرفع من الضريبة على هذه المنتجات”، مُعتبرين أنه “بهذا المعنى يتناقض الحزب مع مواقفه خلال قيادته الحكومة”.
بالمقابل قرأ آخرون في “رفض حزب العدالة والتنمية إلغاء تضريب الخمور والتبغ سابقا احتكاما منه لمنطق السياسات العمومية المتمثل في التأطر بالدستور ببعديه الاثنين: الدستوري القانوني والإسلامي، الذي اعتمده في مساره نحو التحول من الدعوي إلى السياسي”، عادين أن “رفض التضريب، الآن، لا يمثل البتة أي ردة نحو تفعيل الحزب الخطاب الدعوي في الممارسة السياسية بقدر ما هو احتكام إلى البعد الإسلامي للدستور”.
“مزايدات للعودة”
قرأ رشيد لزرق، محلل سياسي ورئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، في “انتقاد حزب العدالة والتنمية فرض جبايات على ألعاب الحظ والقمار مُحاولة للركوب على المسألة القيمية لتحقيق مكاسب سياسية؛ على رأسها العودة من جديد إلى المشهد السياسي”، لافتا إلى أن “هذه الاستراتيجية فعّلها الحزب كذلك خلال النقاش الذي رافق تعديل مدونة الأسرة؛ من خلال انتقاد مقترحات مجموعات من الهيئات والأحزاب، فضلا عن ‘مجلس بوعياش’ لتعديل المدونة”.
واستحضر لزرق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الحزب خلال الولايتين الحكوميتين اللتين قادهما أبقى على الضرائب الداخلية المطبقة استهلاك التبغ المصنع والخمور والمشروبات الكحولية، بل أكثر من ذلك رفضت الهيئة السياسية ذاتها خلال حكومة سعد الدين العثماني إقرار زيادة في ‘ضريبة الخمور’، بحجة أنها سيدفع المغاربة نحو اقتنائها في السوق السوداء وكذلك بأنه يضر بالسياحة في البلد”.
وتابع رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية: “الحزب لم يحتج، خلال مناقشات كل قوانين المالية في فترة حكمه، بأن إيرادات المنتجات سالفة الذكر محرمة أو أن الاعتماد عليها في نفقات الدولة مخالف للشريعة الإسلامية أو القيم المغربية”، مُردفا أن “التجربة أثبتت أن جميع قوى الإسلام السياسي في العالم العربي تقود الحكومة بطريقة ‘علمانية’ وواقعية وبراغماتية”. وزاد :”ما قام به العدالة والتنمية كشف به عن بون بين مواقفه من موقع التدابير وبين مواقفه من موقع المعارضة”.
واستبعد المحلل السياسي عينه أن “يكون الحزب قد عجز عن منع الخمور أو فرض جبايات عليها؛ نظرا لأن هذه الأمور قرارات دولة لا طاقةَ لأية هيئة سياسية بها. فبهذا المعنى فإنه لا يحق للحزب انتقاد تضريب ألعاب الحظ والقمار؛ لأنه سيكون قرار دولةٍ كذلك”، مُبرزا أن “هذا المبرر لا يستقيم طرحه أساسا؛ نظرا لوجود إمارة المؤمنين في البلاد”.
“الدعوة والسياسة”
قال بلال التليدي، باحث متخصص في حركات الإسلام السياسي، إن “حزب العدالة والتنمية عمل، في مسار تحوله من دعوي إلى سياسي، على التمييز بين الدعوة وبين السياسة من خلال اجتناب لغة ومقاربة التحريم، وتعويضها بمقاربة السياسات العمومية”، مُوضحا أنه “على هذا الأساس، لجأ الحزب، خلال قيادته الحكومتين السابقتين، إلى الرفع من قيمة الضرائب المفروضة على كل المنتجات والخدمات التي لديه مواقف رافضة لها”.
وأورد التليدي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الاستراتيجية تقع في صلب اختيارات الحزب وقناعاته الديمقراطية التي تقوم على التحرك في نطاق البعدين الرئيسيين لمرجعية الدولة: الإسلامي والدستوري القانوني”، عادا أنه “بهذا المعنى فإن معارضة الحزب، الآن، تضريب ألعاب الحظ والقمار لا تنطوي على أي تناقض مع اختياراته السابقة”.
وشرح الباحث في حركات الإسلام السياسي أن “تعليل الحزب رفضه لتضريب ألعاب الحظ والقمار بمخالفته ما ينص عليه الدستور حول التنشئة السليمة للأسر المغربية يكشف استحضاره للمرجعية الإسلامية في الدستور”، رافضا “قراءته على أنه نكوص للعدالة والتنمية نحو الخطاب الدعوي؛ فهو يدل على بقاء الحزب في الإطار السياسي في مقاربته للموضوع، وليس قفزه إلى الإطار الديني”.
واستدرك التليدي: “منطق التحول في الحزب يقتضي الاتجاه في التضريب ودعمه؛ لأنه أقرب إلى المرجعية الدستورية القانونية منها إلى المرجعية الإسلامية الموجودة في الدستور”.
وعدّ الباحث المتخصص في حركات الإسلام السياسي أن “ما أثاره “البيجيدي” بخصوص مكاسب ألعاب الحظ والقمار يستدعي أمرين؛ أولهما تدخل المحكمة الدستورية للبت في دستورية تضريب ألعاب القمار أو الحظ، وثانيهما تدخل المؤسسة الدينية للإفتاء في ما إذا كان ضخ إيرادات من هذه الألعاب في الميزانية العامة للدولة يمثل تناقضا مع مرجعية إسلامية”.