في تأكيد جديد للدور المركزي الذي يلعبه ضباط الجيش في السياسة الجزائرية من خلال التحكم في جميع مفاصل الدولة ورسم معالم اللعبة السياسية في البلاد، وعكس ما يفترض في الجيوش من عدم تدخل في إدارة الشؤون العامة والسياسية، اعترف عبد القادر بن قرينة، الوزير السابق والرئيس الحالي لحزب “حركة البناء الوطني” في الجزائر، بأن المؤسسة العسكرية هي الحاكمة فعليًا والمتحكمة في التوازنات في هذا البلد.
وقال بن قرينة، المعروف بمواقفه المتماهية مع طرح النظام في جميع القضايا، خلال كلمة ألقاها على هامش مشاركته في مؤتمر تحت عنوان “المخاطر التي تهدد الوطن ودور النخب للوقاية والتصدي لها”، إن “الدولة الجزائرية الحالية يقودها نظام يتكون من قائد أو سلطة، وما تسمى الأحزاب السياسية، والقوى التي تلعب دور المعارضة، مثل الإعلام والصحافة والمدونين والكتاب، ثم من مجتمع مدني بمختلف تفرعاته، ومن مؤسسة عسكرية ضابطة لإيقاع الدولة وحامية لوديعة الشهداء”، بتعبيره.
تفاعلًا مع هذه التصريحات قال شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض مقيم في فرنسا، إن “كلام بن قرينة لا يختلف عن الكلام الذي تردده أغلب النخب السياسية والحزبية الموالية للنظام التي تمجد دور الجيش وتجعل منه مركز الدولة، وهذه حقيقة غير خافية، حيث تتحكم المؤسسة العسكرية في باقي المؤسسات التي تبقى شكلية فقط ووجدت لتنفيذ الأوامر التي تخرج من الثكنات”، مشيرًا إلى أن “حضور قائد الجيش، السعيد شنقريحة، في احتفالات أول نوفمبر إلى جانب رئيس تونس وموريتانيا يؤكد ذلك، وهي سابقة في المنطقة أن يحضر عسكري إلى جانب مدني يُفترض أنه يمثل الدولة”.
وأضاف بن زهرة ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أنه “لم تعد هناك أي إمكانية للتغطية على حقيقة الحكم العسكري في الجزائر”، موضحًا أن “هذا التصريح يأتي في سياق خاص نوعًا ما، متمثل في توجه النظام إلى التصعيد مع المغرب ومحاولة إشعال فتيل توتر في المنطقة بمبرر وجود خطر خارجي قادم من الرباط يهدد الجزائر؛ وبالتالي فإن كلام بن قرينة هو إشارة إلى ذلك وإلى كون الجيش صمام الأمان في البلاد، تمهيدًا لما يمكن أن يلجأ إليه النظام في قادم الأيام”.
وتابع الناشط السياسي المعارض بأن “النظام يعيش على وقع أزمة اقتصادية وسياسية في الداخل، بدأت بنسبة العزوف التي شهدتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة ومشاكل التموين، وبالتالي هناك خوف من الحكام الفعليين في البلاد من انفجار الأوضاع داخليًا، ولهذا يعيدون الترويج لنظرية التآمر على الأمن القومي الجزائري وعلى نظرية العدو الخارجي التي لم يعد مفعولها مخدرًا وتلاشت فعاليتها في الآونة الأخيرة؛ وعليه فإن النظام سيتجه إلى لعب أوراق أخرى، منها ورقة التصعيد مع المغرب لإعادة تنظيف الجبهة الداخلية أو على الأقل صرف النظر عن مشاكلها”.
وأكد المتحدث ذاته أن “الجزائر ستتجه أيضًا إلى التصعيد مع الرباط بسبب قضية الصحراء، وقد بدأت معالمه الأولى تتضح في المدة الأخيرة، وبدأ بحديث مجلة الجيش الجزائري عن جاهزية القوات المسلحة ووجود تحركات على الحدود مع المغرب، مرورا إلى تصريح وزير الخارجية المغربي الذي أكد وجود نية جزائرية لجر المغرب إلى الحرب، وصولًا إلى حادثة المحبس الأخيرة”.
وشدد بن زهرة على أن “المكاسب التي حققها المغرب في قضية الصحراء ووصول ترامب إلى البيت الأبيض يثير مخاوف الجزائر التي بدأ ملف النزاع حول الصحراء يفلت من أيديها، إذ لم تعد تحظى بالدعم حتى من أقرب حلفائها في المنطقة، وبالتالي فهي بحاجة إلى ضخ نفس جديد في هذه القضية وتحريكها مجددًا من خلال زيادة منسوب التوتر على الحدود؛ ومن ثم فإن تصريحات بن قرينة لا تخرج عن هذا الإطار، وإطار تحضير الجبهة الداخلية لمثل هذه الخطوات التي ستكون لها تداعيات كبيرة على المنطقة”.