تشكّل أسعار الكهرباء في المغرب وسياسات الطاقة، المحور الأبرز في الإصلاحات الاقتصادية التي تجريها المملكة، وتستحوذ على جانب مهم من مباحثات ومراجعات صندوق النقد الدولي مع حكومة المملكة.
وفي ظل الطلب المحلي المتزايد إلى الطاقة، يصطدم المغرب بتحدٍّ إستراتيجي يتمثل في اعتماده على الواردات لتلبية أغلب احتياجاته، لا سيما المشتقات النفطية والفحم، التي تمثّل الجزء الأكبر من هذه الواردات، ما يترتب عليه تحدٍّ آخر، له طبيعة مالية، مرتبط بضخامة فاتورة الطاقة وانعكاساتها على الميزان التجاري، والاقتصاد الوطني عمومًا.
ووفقًا لبيانات قطاع الكهرباء في المغرب لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، قفزت قيمة فاتورة الطاقة في المملكة، خلال عام 2022، إلى أكثر من 153 مليار درهم (15.42 مليار دولار أميركي)، بزيادة تجاوزت نسبتها 101% مقارنة بعام 2021.
وعلى الرغم من تراجع فاتورة الطاقة في المغرب خلال العام الماضي (2023) بنسبة 20.4% إلى 122 مليار درهم (12.45 مليار دولار)، فإنها ما تزال أعلى من فاتورة عام 2021 الذي سجلت فيه نحو 75 مليار درهم (7.6 مليار دولار).
وتُعدّ الكهرباء أحد أكثر القطاعات تأثُّرًا بإشكال محدودية موارد الطاقة، إذ يعتمد إنتاجها على الوقود الأحفوري، رغم تزايد عدد مشروعات الطاقة المتجددة في المغرب، وتنامي سعة توليد الكهرباء منها بصورة ملحوظة.
*الدرهم المغربي = 0.10 دولارًا أميركيًا.
توصيات صندوق النقد الدولي
خلال العديد من المراجعات الدورية للاقتصاد المغربي، أوصى صندوق النقد الحكومة المغربية بإجراء إصلاحات هيكلية في قطاع الطاقة، تتضمن تحرير سوق الكهرباء، والعمل على تعزيز مشاركة القطاع الخاص في قطاع الطاقات المتجددة، وفتح المجال أمامه لتحديد أسعار الكهرباء في المغرب وفق تعرفة مُتفق عليها.
تضمنت توصيات صندوق النقد الدولي، الواردة بتقرير المراجعة الثانية لاتفاق "تسهيل الصلابة والاستدامة"، التنفيذ السريع للتدابير المتبقية في إطار الاتفاق، وفي مقدّمتها تركيز الجهود على تحرير قطاع الكهرباء بشكل أكبر.
وأنهى المجلس التنفيذي للصندوق، يوم الإثنين 11 فبراير/تشرين الثاني (2024)، المراجعة الثانية في إطار ترتيبات مرفق المرونة والاستدامة للمغرب، ما يسمح للحكومة المغربية بصرف نحو 415 مليون دولار، ليصل إجمالي الصرف بموجب البرنامج إلى 747 مليون دولار.
وكان صندوق النقد قد وافق، في 28 سبتمبر/أيلول 2023، على اتفاق "تسهيل الصلابة والاستدامة" للمغرب على دفعات مقابل تنفيذ عدّة التزامات، إذ سُحبت، في مايو/أيار الماضي، الشريحة الأولى بقيمة 330 مليون دولار.
وقال صندوق النقد، إن المغرب يحتاج إلى مواصلة التقدم نحو تحرير أسواق الكهرباء وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في قطاع الطاقات المتجددة، لتقليل اعتماده على الوقود المستورد.
وفي سياق متصل، دعا مجلس المنافسة، في تقرير سابق له، الحكومة إلى تخفيف دور المكتب الوطني للكهرباء والماء في سلسلة قيمة الكهرباء، مطالبًا بفتح المجال أمام القطاع الخاص لتسويق الإنتاج وفق تعرفة مُتفق عليها تُحدد أسعار الكهرباء في المغرب.
ويرى الصندوق أن تحرير أسعار الكهرباء في المغرب سيُحقق أهداف الإسهامات المحددة وطنيًا لخفض الانبعاثات والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ، وسيُحسّن القدرة التنافسية للشركات، ويساعد على خلق فرص عمل.
كما أوصى الصندوق بزيادة الضرائب على الفحم، وغيره من المنتجات شديدة التلوث، بدلًا من فرض ضريبة القيمة المضافة الأعلى على الوقود الأحفوري، في ظل السياق الاجتماعي والاقتصادي الحالي، مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع معدلات البطالة.
أسعار الكهرباء في المغرب 2024
تبلغ أسعار الكهرباء في المغرب 2024 نحو 1.172 درهمًا (0.118 دولارًا) لكل كيلوواط/ساعة في القطاع المنزلي، بينما تصل الأسعار للقطاع التجاري إلى 1.072 درهمًا (0.108 دولارًا) لكل كيلوواط/ساعة، وفقًا لموقع "غلوبال بترول برايسز".
ويعتمد تدبير سوق الكهرباء في المملكة على قرارات الحكومة، التي تشمل مستويات سلسلة القيمة كافة، بدءًا من اختيار التكنولوجيا ونوع الوقود على مستوى الإنتاج، ثم تحديد الأسعار للمستهلك النهائي.
وتُحدد أسعار الكهرباء في المغرب للمستهلك النهائي بموجب قرار حكومي، لكنها لا تعكس التكلفة الحقيقية للإنتاج، كونها غير مرتبطة بالتكاليف المتغيرة، كما يعمل المكتب الوطني للكهرباء والماء على دعمها.
وفي فبراير/شباط الماضي، حددت الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تعرفتَي ولوج واستعمال الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل للمدة ما بين عام 2024 إلى 2027، التي شهدت تخفيضًا ملحوظًا بنسبة 38%، مقارنة بالتعرفات المُطبّقة في العام الماضي 2023.
وبموجب هذا القرار، حُددت تعرفة استعمال الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل لعام (2024) بقيمة 6.39 سنتيم لكل كيلوواط/ساعة، حسبما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
*الدرهم المغربي = 100 سنتيمًا
الطاقة المتجددة في المغرب
يتواصل نمو سعة توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة في المغرب بصورة ملحوظة، إذ أصبحت طاقة الرياح، في العام الماضي 2023، أكبر مصدر للكهرباء النظيفة من حيث القدرة.
وارتفعت سعة توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، بنهاية العام الماضي، إلى 4.105 غيغاواط، حسب الأرقام الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)
ويمتلك المغرب واحدًا من أكبر أساطيل الرياح البرية أفريقيًا، يُتوقع أن تصل سعته إلى 5 غيغاواط بحلول 2035، مقابل 1.512 غيغاواط في الوقت الراهن، بحسب مجلس طاقة الرياح العالمي.
ومن المتوقع أن يتمكن المغرب من إضافة نحو 2.1 غيغاواط من طاقة الرياح في غضون 5 سنوات، إذ تشير التقديرات إلى أن سعة طاقة الرياح المتوقع تركيبها في البلاد خلال السنوات المقبلة تبلغ نحو 9.583 غيغاواط حتى الآن.
ويستهدف المغرب رفع حصة الطاقة المتجددة في مزيج توليد الكهرباء إلى 52% بحلول عام 2030، ويعمل على استغلال إمكاناته في مجال الطاقات المتجددة، ولا سيما طاقة الرياح، لتحقيق أمن الطاقة.
وبحسب بيانات (آيرينا)، ارتفع إنتاج الكهرباء المولدة من طاقة الرياح إلى 1.858 غيغاواط في عام 2023، كما ارتفعت سعة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية إلى 934 ميغاواط.
ويُظهر الرسم التالي، الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة، تنامي سعة توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة في المغرب خلال المدة من 2014 حتى 2023:
تغير المناخ
أحرز المغرب تقدّمًا في تعزيز قدرته على الصمود في مواجهة تغير المناخ واغتنام الفرص المتاحة من خلال إزالة الكربون، بموجب ترتيبات مرفق المناخ السريع، وفق ما ورد بالتقرير الصادر عن الصندوق.
وقال نائب المدير العام والقائم بأعمال رئيس الصندوق، كينجي أوكامورا، إن السلطات المغربية تواصل إحراز تقدّم مطّرد في تعزيز قدرة البلاد على الصمود في مواجهة تغير المناخ، مدعومة بأسس قوية للغاية وأُطر سياسية وسجلّ حافل من التنفيذ الفعال للسياسات.
وأكمل: "كان الأداء في ظل ترتيبات مرفق المرونة والاستدامة قويًا، وتدرك السلطات تعرُّض المغرب الشديد للمخاطر المتعلقة بتغير المناخ والكوارث الطبيعية، وتظل ملتزمة بالتحول الأخضر وتعزيز المرونة المناخية بشكل أكبر".
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..