بعد أيام قليلة على الخطاب الملكي الخاص بتخليد الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، التأم جزء من مغاربة العالم بمقر النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالرباط، في إطار جلسة للنقاش حول المضامين التي حملها خطاب سادس نونبر الذي ركز على مغاربة العالم وأولوية إعادة هيكلة مؤسسات الدولة المشتغلة في هذا المجال وجعل مغاربة المهجر في صلب التنمية الوطنية وفي صلب عملية الدفاع عن قضية الصحراء المغربية كذلك.
وناقش المشاركون في هذه الجلسة مضامين الخطاب الملكي الأخير، مارّين على مجموعة من المحاور؛ بداية بسُبل دمج مغاربة العالم في التنمية الاقتصادية بالمملكة وجعلهم جزءا منها، ثم أهمية جعل هذه الفئة في صلب الديبلوماسية الموازية والشعبية للدفاع عن قضية الوحدة الترابية للمملكة، مُستعرضين في الأخير تصوراتهم لإعادة هيكلة مجلس الجالية وتأسيس “المؤسسة المحمدية لمغاربة الخارج”.
الجالية والاستثمار
قال علي زبير، مهاجر مغربي بألمانيا، إنه “من المهم جدا أن نثمن عاليا ما جاء في خطاب سادس نونبر والذي بيّن من جديد الرعاية الخاصة التي يوليها الملك لشؤون الجالية المغربية بالخارج؛ وهو ما اتضح منذ توليه العرش، إذ صرنا اليوم أمام تراكماتٍ مهمة بهذا الخصوص”.
وفي هذا الصدد، ذكر زبير، ضمن مداخلته، أن “الخطاب الملكي أعطى إشارات واضحة إلى كل من يهمه الأمر من أجل بدء العمل على هذا النحو، خصوصا الدفاع عن قضية الصحراء المغربية، حيث تشتغل الجالية المغربية بالمهجر على هذا الملف دون أن تكلف الدولة درهما واحدا. نحن، اليوم، إذن، أمام مرحلة جديدة تقتضي المساهمة الأولية لهذه الفئة في تنمية بلادها بالدرجة الأولى”.
وتابع: “من بيننا أطر وتجار ومستثمرون ومبدعون بإمكانهم أن يكونوا جزءا من الدينامية التنموية التي تعرفها المملكة، شريطة أن يتم العمل على توفير أجوبة بخصوص بعض الملفات؛ بما فيها الاستثمار وبعض معيقاته أمام من تغرّبوا عن هذا البلد وما يزالون مرتبطين به وجدانيا”، مشيرا إلى أن “تداخل الاختصاصات بين المؤسسات التي تشرف على هذا الورش كان يستدعي حلول واضحة، وهي التي يقدمها الخطاب الملكي الأخير، ونحن في انتظار أجرأة مضامينه الرئيسية”.
في السياق ذاته تحدث محمد الشكلاطي، مهاجر مغربي مقيم بإسبانيا، عن “بعض المعيقات التي تصطدم بها الجالية المغربية المقيمة بالخارج عند رغبتها في المشاركة الاقتصادية ببلدها الأم، حيث إن بعض الاستثمارات تتعثر في التنزيل؛ وهو ما يتحمل مسؤوليته بعض من المسؤولين الجهويين والمحليين”، ذاكرا أن “الجالية مستعدة لتلبية نداء الملك للمساهمة باستثمارات في الدينامية الاقتصادية والتنموية بالمملكة”.
تحويلات قياسية
اعتبرت زينب، من مغاربة العالم، أن “الخطاب الملكي وحديثه عن مسألة المغتربين المغاربة بالخارج يظهر مرتفعا جدا حتى عن تصورات الحكومة وتوجهات السياسات العمومية، إذ يجب ككل أن نكون في مستوى هذا الخطاب المهم الذي تحدث بشكل أساسي عن فئة من أبناء المملكة الذين يجب أن يحظوا بكثير من التشجيع؛ فالجالية يجب أن تحظى، اليوم، بتمييز إيجابي بما سيمكن حتى من تغيير بعض النظريات حولها من ناحية ثقافية، ومراعاة خصوصية كل فئة منها”.
من زاوية نظر اقتصادية صِرفة تحدث يونس معمر، مسؤول مغربي سابق، عن المساهمات المهمة للمهاجرين المغاربة في الاقتصاد الوطني، حيث كشف أن “أرقام تحويلاتهم المالية صوب بلدهم الأم تبقى جد إيجابية، وهي الأرقام التي نطمح إلى أن ترتفع خلال السنوات المقبلة، إلى درجة أن ذلك صار يشكل حساسيات لدى بلدان المهجر التي ترى بكون هذه الرساميل مهمة للغاية ويجب أن تستفيد منها هي الأولى”.
وأضاف ضمن مداخلته بالجلسة ذاتها: “رغم كل هذا من ناحية التحويلات المالية فإنه بالنسبة لاستثمارات الجالية بالمغرب فإنها لا تزال صغيرة مقارنة بما يجب أن يكون عليه الحال أساسا؛ وهو ما يمكن أن يكون على أرض الواقع انطلاقا من تبديد مجموعة من الإكراهات، مع ضمان حقوق مغاربة العالم”.
من جهته، أوضح محمد عابدي، من مغاربة العالم مستشار سابق لدى الحكومة الفرنسية، أن “الجالية المغربية صارت تحتل مراتب متقدمة في سبورة ترتيب الجاليات الأكثر سخاء تجاه وطنها الأم، إذ تبقى من بين 20 جالية على المستوى العالمي؛ فهذه التحويلات المالية توضح المعطيات أنها تتوزع بين ما يتم تخصيصه بالنسبة للمناسبات الاجتماعية وبين ما يتم تخصيصه لتدبير المعيش اليومي، في حين أن نسبة قليلة منها تلك التي تذهب للاستثمار”.
واعتبر عابدي، ضمن مداخلته، أن “تجربة مجلس الجالية تبقى مهمة بالمغرب، إذ تظل من بين التجارب الإفريقية القليلة في هذا الصدد؛ فاليوم صرنا أمام أولويات استحضار عنصر الحكامة فيما يتعلق بالمؤسسات المغربية المكلف بهذا الملف، خصوصا إذا استحضرنا أن الخطاب الملكي جاء ليبين الدور الاقتصادي والدور السياسي لمغاربة العالم وحتى إمكانيات مساهمتهم في الدفاع عن قضية الوحدة الترابية والانخراط في الأوراش التنموية المهمة التي تعرفها المملكة”.