لم يعد خافيًا على أحد أن قطاع المحروقات يشكل عبئًا اقتصاديًا ثقيلًا على كاهل المواطن، في ظل ارتفاع مستمر لأسعار البنزين والغازوال التي تخضع لمعايير مبهمة ولا تراعي تغيرات الأسعار العالمية بشكل منطقي. فالمستهلك يجد نفسه أمام أسعار متقلبة وغير مبررة، تتجاهل القدرة الشرائية للمواطنين وتضعهم في مواجهة تحديات مالية متزايدة.
خلال السنوات الأخيرة، شهدت أسعار المحروقات ارتفاعات غير مسبوقة أثقلت ميزانية الأسر وأثرت على تكاليف النقل والخدمات. وما يزيد من معاناة المواطنين هو أن هذه الأسعار لا تستند إلى معايير محلية أو عالمية واضحة، بل تخضع لمعادلات تسعير تخدم مصالح الشركات الكبرى دون اعتبار للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية على الأفراد.
لكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد عمدت بعض الشركات إلى إطلاق تصنيفات جديدة للمحروقات تحت مسميات “عالي الجودة” و”ممتاز”، وفرضت عليها أسعارًا أعلى بكثير من النوع العادي، مما يدفع المواطن البسيط إلى الاعتقاد بأن الخيار الأكثر تكلفة هو الحل الأمثل لحماية مركبته من الأعطال.
المثير للقلق أن النوع “العادي” من المحروقات، الذي يُفترض أن يكون متاحًا بسعر معقول للمستهلكين، أصبح في بعض الأحيان يأتي بجودة متدنية، وأحيانًا مغشوشًا أو ملوثًا. الأمر الذي يتسبب في أضرار كبيرة لمحركات السيارات، ويؤدي إلى تلف المكونات الأساسية للمركبات، مما يُرغم المستهلك على دفع مبالغ طائلة لإصلاح الأعطال المتكررة، وهي تكاليف تزيد من العبء المالي على المواطنين وتُثقل كاهل الأسر المتوسطة والبسيطة.
إنّ غياب الدور الرقابي للسلطات المعنية في مراقبة جودة المحروقات وفحص مدى التزام الشركات بمعايير الجودة، يجعل المواطن في مواجهة مباشرة مع جشع بعض الشركات. فلا توجد حاليًا إجراءات فعّالة تضمن حقوق المستهلكين، أو قوانين تُلزم هذه الشركات بتحقيق الحد الأدنى من الجودة المطلوبة في منتجاتها.
هذا الغياب التام للرقابة يثير تساؤلات حول مدى اهتمام الجهات الحكومية بحماية المواطن من استغلال الشركات، خاصةً وأن المحروقات تعتبر قطاعًا حيويًا يمس حياة الجميع، ويؤثر على الاقتصاد الوطني بشكل مباشر. وعليه، لا بد من تحرك حاسم من الجهات المختصة لوضع حد لهذه الممارسات التي تستنزف جيوب المواطنين دون وجه حق.
أمام هذه التحديات، بات من الضروري اتخاذ خطوات جادة لحماية المستهلكين من هذه التجاوزات، تبدأ بفرض رقابة صارمة على جودة المحروقات وأسعارها، والتأكد من مطابقتها للمعايير المعتمدة. كما يجب تعزيز دور جمعيات حماية المستهلك وتفعيل آليات الشكاوى والمحاسبة، بما يضمن أن تكون حقوق المواطنين محفوظة، وأن تُكبح ممارسات الاحتكار والتلاعب بالأسعار والجودة.
إن هذه الإجراءات لا تُعد رفاهية، بل هي ضرورة ملحة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطنون. فالمستهلك يستحق أن يحصل على منتج ذي جودة عالية وبسعر معقول، بعيدًا عن أي استغلال، وأن يشعر أن هناك من يحمي حقوقه ويدافع عن مصالحه في وجه الشركات التي لا ترى فيه سوى فرصة لتحقيق مزيد من الأرباح.