تتواصل عملية جني محصول الزعفران حاليا بحقول المملكة التي تتركز بمناطق محدودة نتيجة ظروف مناخية بالأساس، فيما يعول الفاعلون في هذا المجال على الوصول إلى إنتاجية مهمة من هذا المنتج الفلاحي بغرض تسويقها على مستوى الأسواق الداخلية والخارجية كذلك.
وتُعول شرائح مهمة من الساكنة القروية بمناطق محددة على إنتاجية مادة الزعفران كل سنة، على اعتبار أنها تمثل مظهرا من مظاهر الفلاحة المعيشية التي يراد منها خلقُ التنمية ومصادر مدرة للدخل، بيْد أن منظومة تسويق هذا المنتج يظهر أنها “لا تختلف كثيرا عن منظومة تسويق زيت أركان ومشتقاته التي تذهب إيراداتها الكبرى لوسطاء وفاعلين كبار، في وقت لا تصل الفلاحَ إلا نسبة محدودة منها، خصوصا عند مقارنة الأسعار الوطنية مع نظيرتها بالخارج”.
في هذا الصدد كشف مهنيون بالقطاع، يسيرون تعاونيات صغرى مختصة في تسويق منتج الزعفران، أن “تسويق هذا المنتج، خصوصا على المستوى الخارجي، مازال في يد فاعلين كبار محدّدين وتعاونياتٍ كبرى، في وقت تكتفي التعاونيات الصغرى، إلى جانب الفلاحين الصغار بطبيعة الحال، بمردودية محدودة لا تشجع على الاستمرارية في ظل إشكاليات الإنتاج المختلفة”.
وبالعودة إلى معطيات وفرتها وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات على مستوى موقعها الرسمي فإن “المغرب يعتبر رابع منتج للزعفران بالعالم، حيث تكتسي هذه الزراعة أهمية اقتصادية بالغة على مستوى مناطق الإنتاج، بالنظر إلى ما تدره من دخل إضافي بالنسبة للساكنة القروية”.
بحسب المعطيات ذاتها فإن “جهة سوس ماسة تستحوذ على الإنتاجية الوطنية من هذه المادة بما يصل إلى 75 في المائة، تليها جهة درعة تافيلالت بواقع 43 في المائة، موازاة مع ارتفاع الطلب على مستوى السوق الدولية؛ فالمساحةُ المزروعة بالمغرب تضاعفت ثلاث مرات ما بين 2008 و2019 لتصل إلى 1865 هكتارا”.
كما ذكرت الوزارة أن “الإنتاج ارتفع بدوره خلال هذه الفترة بحوالي 4,3 مرات تقريبا ليبلغ 6,5 أطنان، في حين أن الصادرات بلغت 1,2 طن سنة 2019 مقارنة مع 164 كيلوغراما قبل ذلك بعشر سنوات؛ أما القيمة المضافة لهذا النشاط فبلغت 82 مليون درهم سنة 2019 مع حجم تشغيل يساوي 258 ألف يوم عمل”.
في هذا الصدد قال عبد الرحمان جاخا، صاحب تعاونية بدائرة تاليوين، إن “منظومة تسويق منتج الزعفران تبقى على العموم كما هي بالنسبة لزيت أركان، وهما يعتبران منتوجين يحظيان بقيمة تسويقية كبيرة، غير أن الفلاح الصغير والمقاولة الصغرى للأسف لا يجدان نفسهما بشكل أساسي في إطار الدينامية التي يتم تحقيقها في هذا الصدد”.
وأضاف جاخا، في تصريح لهسبريس، أن “هناك مجموعة من الشروط الأولية التي يجب أن تستوفيها التعاونية في هذا الصدد، بما فيها التوفر على مقرٍ وبشروط معينة، يؤهل إلى الحصول على شهادة المكتب الوطني للسلامة الصحية، وهو ما ينضاف إلى مشاكل أخرى يتسبب فيها ذوو الرساميل الكبرى الذين يأخذون مكان الفلاحين والتعاونيات الصغرى في عملية التسويق، دون أن يكونوا مساهمين في عملية الإنتاج”.
كما ذكر الفاعل ذاته أن “هناك نوعا من احتكار التعاونيات الكبرى والتجار الكبار لتسويق الزعفران على المستوى الخارجي وبأثمان معتبرة تفوق بطبيعة الحال الأثمان التي يتم بها تسويق المنتج محليا”، موردا أن “هذا السياق يقلص من حضور التعاونيات الصغرى والفلاح الصغير ضمن التوزيع”، وكاشفا أن “التسويق في نهاية المطاف لا يمكن حصره في المشاركة في المعارض الدولية، بل يشمل حتى إقامة علاقات مع الزبائن بالخارج، ما لا يمكن أن يتم دون استيفاء مجموعة من الشروط”.
على النحو ذاته كشف محمد أيت علي، صاحب تعاونية بجماعة أسكاون بإقليم تارودانت، أنه “لا يخفى على أحد أن تسويق منتج الزعفران لا يتم كما يجب”، موردا أن “العوائد من هذا النشاط يجب أن يستفيد منها في البداية الفلاحون الصغار مبدئيا، على أن تحظى التعاونيات الصغرى من حصتها من السوق كذلك، حتى لا نكون أمام احتكار من طرف بعض الفاعلين بالقطاع، أو حتى الذين يستثمرون أموالهم ضمنه”.
أيت علي قال كذلك إن “عدم التكافؤ في هذا الصدد أضرّ بعدد من التعاونيات الصغرى التي كانت تأمل أن تحظى بنصيب من الولوجية إلى الأسواق وبالفرص نفسها مقارنة بالتعاونيات الكبرى، ما حذا ببعضها إلى الاكتفاء بالسوق الداخلي الذي لا يمكن أن يرقى إلى السوق الخارجي بطبيعة الحال في مسألة الأسعار”.
وعاد المهني ذاته ليبرز كيف أن هذا السياق “يؤثر سلبا على الفلاحين الذي يكونون وراء توفير الإنتاجية في كل سنة، إذ لا يشجعهم الأمر على التفكير في الإنتاج كل سنة ماداموا لا يستفيدون من القيمة العالية لمنتج الزعفران بالسوق الدولية على الخصوص”.