منذ تأسيسها في عام 2011، مثّلت الهيئة العربية للطاقة المتجددة منصة مهمة لتشجيع التوسع في مشروعات الطاقة النظيفة، وتحفيز الاستثمارات في هذا القطاع المهم.
وهذه الهيئة مؤسسة مجتمع مدني غير ربحية تابعة لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية في جامعة الدول العربية، ومقرّها عمان بالأردن، تضم ممثلين من 16 دولة عربية، وتهدف إلى نشر ثقافة الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في المنطقة العربية.
وفي هذا الإطار، أجرت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) حوارًا مع الأمين العام للهيئة العربية للطاقة المتجددة "أريك" المهندس محمد الطعاني تطرّق خلاله إلى العديد من الموضوعات المهمة لدعم قطاع الكهرباء في المنطقة.
أكد الطعاني أن الظروف الجيوسياسية ما تزال تمثّل العقبة الرئيسة أمام الدول العربية من أجل تسريع خطة تحول الطاقة، مطالبًا بضرورة تنسيق التعاون بين الدول العربية من أجل إنشاء مركز عربي للانتقال الطاقي والهيدروجين الأخضر للاستفادة من جميع الخبرات.
وإلى نص الحوار:
ما الدور الرئيس الذي تؤدّيه الهيئة العربية للطاقة المتجددة في تعزيز الطاقة المتجددة في الدول العربية؟
تأسست الهيئة لتكون مظلة للدول العربية كافةً؛ بهدف توحيد جميع الإجراءات المتعلقة بقطاع الطاقة المتجددة، والإسهام في وضع سياسات الطاقة النظيفة على مستوى الوطن العربي بأكمله.
كما تستهدف الهيئة -في المقام الأول- جذب الاستثمارات إلى الدول العربية، وأتوقع أن يصل حجم الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة في المنطقة العربية إلى نحو تريليون دولار بحلول عام 2040.
فهناك إقبال كبير من دول المنطقة كافةً على التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، وإن كان هذا الإقبال متفاوتًا بين الدول؛ نظرًا للأوضاع الجيوسياسية التي تتعرض لها الدول العربية والعالم أجمع، التي تؤثّر سلبًا بخطّة تحول الطاقة.
كيف ترى مستوى التعاون بين الدول العربية في مجال الطاقة المتجددة؟ وما أبرز المشروعات المشتركة؟
من أبرز المشكلات التي تواجه الهيئة العربية للطاقة المتجددة ومعظم الاتحادات العاملة في هذا القطاع، أن التعاون بين الدول العربية ما يزال دون المستوى المطلوب مقارنةً بالدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية وجميع الدول المتقدمة.
ولا بدّ من تعظيم التعاون بين الدول العربية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحقيق أمن الطاقة والأمن المائي والغذائي، لا يكفي أن تكون هناك علاقة مميزة بين دولتين فقط، بل لا بد من تحقيق التكامل الاقتصادي العربي المنشود الذي يمثّل مصدر قوة للجميع.
فهناك تعاون مثمر بين 42 دولة أوروبية في مناحي الحياة كافةً، وعلى الرغم من وجود خبرات كثيرة في جميع الدول العربية، فإنه لا يوجد تنسيق بين هذه الكوادر حتى الآن، ولم نصل بعد للحدّ الأدنى من التعاون المنشود من قبل الهيئة العربية للطاقة المتجددة.
ما أبرز التحديات التي تواجهها الدول العربية في تنفيذ خطة تحول الطاقة؟
تمثّل التحديات الجيوسياسية العقبة الرئيسة -حاليًا- أمام تسريع خطة تحول الطاقة في المنطقة، إذ إنها تسبّب حالة من التفاوت بين الدول العربية في تحقيق التنمية المستدامة.
ويمكننا تقسيم الدول العربية إلى: دول الخليج، والمغرب العربي، وبلاد الشام والعراق، فهناك بعض الدول مثل الأردن ودول الخليج ومصر تشهد تقدمًا كبيرًا في الأمن الطاقي.
إلّا أنّ بعض الدول العربية الأخرى ما زالت تعاني من فقر الكهرباء نتيجة للصراعات السياسية مثل سوريا وفلسطين ولبنان والسودان والعراق وغيرها من الدول العربية التي ما تزال غير قادرة على بلوغ الأمن الطاقي.
فسوريا -على سبيل المثال- في حاجة -حتى الآن- إلى توليد 20 غيغاواط من الكهرباء، وما تزال عاجزة عن توفير 20% من الطاقة التي تحتاج إليها.
ولا بدّ من التفريق بين الصراعات السياسية والحالة الإنسانية للشعوب، فعدد سكان الدول العربية يتجاوز -حاليًا- 500 مليون نسمة، ومن ثم لا بدّ من العمل على تلبية احتياجات المواطن العربي، وتوفير الأمن الطاقي والغذائي والمائي.
كيف تسهم الهيئة في التغلب على التحديات التقنية التي تواجه انتشار الطاقة النظيفة في الدول العربية؟
تولي الهيئة العربية للطاقة المتجددة اهتمامًا كبيرًا بهذا الأمر من خلال عقد المنتديات سنويًا لحلّ المشكلات الفنية التي تواجه قطاع الطاقة في الدول العربية.
وتستضيف هذه المنتديات خبراء من الدول المتقدمة في المجالات المختلفة، كما تعرض تجارب الدول العربية في قطاع الطاقة المتجددة التي نتج عنها خبرات تراكمية ومتفاوتة.
وتشهد هذه المنتديات حضورًا قويًا من الدول العربية كافةً، وأستغل الفرصة -هنا- للإشادة بالتجارب الناجحة لمصر والمغرب والأردن في الانتقال الطاقي من خلال التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة ونشر السيارات الكهربائية.
وهذه التجارب الناجحة تعزز فرص مشروعات الربط الكهربائي بين الدول العربية ودول العالم.
وتُعدّ الهيئة العربية للطاقة المتجددة منصة ناجحة لتبادل الخبرات وبناء شراكات إقليمية ودولية، وتهدف إلى دعم الدول العربية لتحقيق الريادة في هذا المجال الحيوي.
هل لديكم شراكات مع مؤسسات دولية أو مراكز أبحاث لتعزيز التقنية المتجددة في العالم العربي؟
نعم، وهذا هو سر نجاح الهيئة العربية للطاقة المتجددة، فنحن لدينا شراكات متعددة مع مؤسسات من الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية مختلفة والصين والهند وتركيا.
ولدينا لجنة استشارية دولية تضم أكثر من 60 خبيرًا من أنحاء العالم كافةً، وهؤلاء الخبراء متخصصون في مجالات متعددة لها علاقة بالطاقة المتجددة أو الهيدروجين الأخضر والاقتصاد الدوار والسيارات الكهربائية والشبكات والمدن الذكية وإدارة الطاقة وكل ما يتعلق بطاقة المستقبل.
ونحن مستعدون لتقديم الاستشارات مجانًا لأيّة دولة عربية؛ لأننا مؤسسة غير ربحية تابعة لمجلس الوحدة العربي الاقتصادي الذي يتخذ العاصمة المصرية القاهرة مقرًا له.
ما رؤيتكم لمستقبل الطاقة المتجددة في العالم العربي خلال العقد المقبل؟
معظم الحكومات العربية لديها خطط واعدة سترى النور خلال 5 أعوام، ونحن نمثّل جزءًا من العالم يحتاج إلى السلام قبل التنمية المستدامة، فالسلام مطلب إنساني عالمي.
وأتوقع أن يحدث تقدم كبير جدًا في قطاع الطاقة المتجددة في معظم الدول العربية، لأن معظم الدول العربية يقع في الحزام الشمسي للكرة الأرضية، وموقعها متوسط في العالم، وأيّ مشروعات ربط كهربائي على مستوى العالم ستكون بمشاركة القدرات المتجددة العربية.
طالبتم برفع الضرائب عن السيارات الكهربائية.. ما أهم الحوافز التي يمكن للحكومات العربية تقديمها للتوسع في هذا القطاع؟
أطالب الدول العربية أن تحذو حذو مصر في تقديم الحوافز لنشر السيارات الكهربائية.
مصر والمغرب تُعدّان نموذجًا في هذا القطاع من خلال تقديم حوافز متعددة للمستثمرين في مجال الشواحن الكهربائية، والبنية التحتية، بالإضافة إلى تشجيع المواطنين على شراء هذا النوع من السيارات.
وأتوقع أن تشهد المنطقة العربية ثورة كبيرة في صناعة السيارات الكهربائية، وهناك اتجاه لذلك -حاليًا- في الجزائر.
وأطالب الدول التي تفرض ضرائب على السيارات الكهربائية أن تراجع سياستها في هذا الأمر، فالسيارات الكهربائية قد نجحت في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في أوروبا بنسبة تخطّت الـ5% خلال العامين الماضيين فقط.
وتقدّم دول الاتحاد الأوروبي -حاليًا- حوافز مغرية للغاية لتشجيع المواطنين على شراء المركبات الكهربائية، والتخلص من السيارات العاملة بالوقود التقليدي، كما أن هناك اتجاهًا لنشر سيارات خلايا وقود الهيدروجين في المستقبل.
وأُشيد بالتجربة المصرية في تعميم الاعتماد على الغاز الطبيعي بمثابة وقود للسيارات ضمن إطار خطّتها لتحوّل الطاقة.
وهناك اتجاه كبير لإحداث نقلة نوعية كبيرة بقطاع السيارات الكهربائية في مصر والجزائر والمغرب.
وأتوقع أن يكون هناك أكثر من 300 مليون سيارة كهربائية في العالم خلال أقل من 10 أعوام، ولذلك لا بدّ أن تكون الدول العربية سبّاقة في هذا القطاع، من خلال تقديم الحوافز للمواطن والمستثمر لتوطين هذه الصناعة.
هل التشريعات التي اتخذتها الدول العربية في قطاع الطاقة المتجددة كافية لجذب الاستثمارات؟ أم لديكم اقتراحات في هذا المجال؟
هناك تفاوت بين الدول العربية فيما يتعلق بوضع التشريعات الجاذبة للاستثمارات، فلا بد أن يكون هناك تعاون بين القطاعين العام والخاص والهيئة العربية للطاقة المتجددة ومؤسسات المجتمع المحلي، لا بد لتوحيد المواصفات حول كل ما يتعلق بالطاقة المتجددة لوضع "كود" موحَّد، كما هو الحال في دول الاتحاد الأوروبي.
فهناك دول عربية ما تزال في حاجة إلى بذل الجهود حتى تكون مؤهلة لاستخدامات الطاقة المتجددة بطريقة تنعكس على اقتصادها.
ولا بد من اكتساب الخبرات من دول أوروبا والولايات المتحدة، وهي دول صديقة للدول العربية.
ما الدور الذي يجب أن تؤدّيه الدول العربية لدعم مشروعات التوليد الذاتي للأفراد والمصانع؟
المغرب هي أكثر دولة عربية نجحت في تطبيق قانون التوليد الذاتي، وأطالب الدول العربية كافةً بأن يكون هدفها الأول هو دعم التوليد الذاتي للأفراد من الطاقة المتجددة.
ويسمح هذا القانون لكل مواطن -سواء في وحدة سكنية أو منشأة صناعية- بتوليد استهلاكه من الطاقة دون قدرة محددة، لأن هذا التوليد الذاتي سيسهم في تقليل الضغط على الشبكات الوطنية للدول، وهذا النظام معمول به في جميع دول العالم المتقدمة.
ولا بد من منح التوليد الذاتي الأولوية القصوى، لتحقيق العدالة والراحة في اختيار مصدر الطاقة للمواطن.
وأطالب الدول بعدم وضع ضرائب على الطاقة المتجددة حتى لا تكون عائقًا أمام انتشار الكهرباء النظيفة.
تعاني معظم الدول العربية -حاليًا- من نقص الكهرباء، ولا سيما خلال فصل الصيف نتيجة لزيادة الطلب.. ما مقترحاتكم لحلّ هذه الأزمة؟
هناك دول عربية عانت من أزمات طاقة خلال فصل الصيف، ولا بد من زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لحلّ المشكلة التي نطلق عليها اسم "وقت الذروة".
ولكن هناك بعض المعوقات التي تعترض طريق التوسع في مصادر الطاقة المتجددة مثل التخزين، فلا بد أن تحتلّ هذه القضية أولوية قصوى في العالم العربي للإسهام في حل مشكلة نقص الكهرباء التي تعرضت لها بعض الدول العربية نتيجة زيادة الأحمال خلال فصل الصيف.
وزيادة الأحمال كانت طبيعية في ظل أزمة التغير المناخي، وأشيد بالحكومات العربية التي تعمل مع المجتمع الدولي للتقليل من خطر التغير المناخي وخفض الانبعاثات الكربونية التي تمثّل السبب الرئيس في ارتفاع درجات الحرارة وتقلّبها في كل دول العالم.
شهدت تعديلات قانون الطاقة المتجددة في الأردن حالة من الجدل ما بين مؤيد ومعارض.. كيف تقيّمون هذه الخطوة؟
كان الأردن من الدول السبّاقة في قطاع الطاقة المتجددة، حيث بدأ المشروعات في عام 2012، ودفع فاتورة باهظة للريادة في هذا المجال، ونقل الخبرات لجميع الدول العربية.
ولكن في الأردن -وحتى الولايات المتحدة- لا بد أن يكون هناك مراجعة دائمة لسياسات الطاقة، وأطالب بإجراء هذه المراجعة في جميع الدول العربية.
ما التحديات التي تواجه الدول العربية -حاليًا- في إنتاج الهيدروجين الأخضر؟
ما يزال هذا الوقود جديدًا حتى على المستوى العالمي، وبدأنا في الأردن بمشروعات الهيدروجين الأخضر.
لم نشارك في الثورات الصناعية الـ4 السابقة، والآن بدأت الثورة الصناعية الـ5 في العالم، وأطالب أصحاب القرار والقادة العرب بتأسيس مركز عربي كبير للانتقال الطاقي والهيدروجين الأخضر.
وهذا المركز سيسهم بشكل كبير في تعزيز خطة الطاقة على المستوى العربي وعلى مستوى التشبيك مع المؤسسات الدولية في مجالات البحث والتطوير في هذا القطاع؛ لأنه سيعمل على تنسيق التعاون والاستفادة من الخبرات العربية كافةً.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..