تُكثّف مصر جهودها للحد من تأثير التوترات المستمرة في منطقة البحر الأحمر على إيرادات قناة السويس، التي تُعدّ واحدة من أبرز الممرات الملاحية العالمية، حيث تساهم بشكل كبير في التجارة بين الشرق والغرب. ووصف الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، الوضع الحالي بأنه “أزمة استثنائية”، مشيرًا إلى أنها تُعتبر من التحديات الأمنية الأكبر التي لم تشهدها المنطقة من قبل، وتعكس القلق المتزايد حول استقرار هذه المنطقة الحيوية.
في هذا السياق، قدّر ربيع أن إيرادات القناة ستشهد تراجعًا كبيرًا بنسبة تصل إلى 62% خلال العام الحالي، وهو تراجع غير مسبوق ويعكس حجم التحديات التي تواجهها الملاحة البحرية بسبب التوترات السياسية المتزايدة. كما يرى الخبراء أن تحسين حركة الملاحة يعتمد بشكل كبير على استعادة الهدوء في المنطقة ووقف العمليات العسكرية، لا سيما في غزة، لتهدئة الأجواء في محيط البحر الأحمر.
منذ أواخر نوفمبر، بدأت العديد من شركات الشحن العالمية اتخاذ خطوات جذرية لتفادي المرور عبر البحر الأحمر، حيث قامت بتغيير مساراتها استجابةً للتهديدات المتصاعدة، حيث عمدت جماعة “الحوثي” اليمنية إلى استهداف السفن العابرة في هذا الممر المائي كنوع من الرد على الصراع المستمر في قطاع غزة.
تُعدّ هذه التطورات تحديًا كبيرًا، ليس لمصر وحدها، بل للاقتصاد العالمي ككل، حيث أن قناة السويس تسهم بفعالية في تسهيل حركة التجارة العالمية. وبالنظر إلى أهمية هذا الممر الملاحي، فإن أي اضطرابات تؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل والتأثير المباشر على الاقتصاد العالمي.
ولتفادي تأثير هذه الأزمة، تعمل مصر الآن على تعزيز الإجراءات الأمنية وتقديم ضمانات أكبر للشركات التي تعتمد على القناة، في مسعى لاستعادة الثقة في هذا الممر الحيوي والذي يعتمد عليه الكثيرون في مجال النقل البحري.
ووفقًا لآخر إحصاءات خسائر قناة السويس التي أوردها رئيس الهيئة خلال المنتدى اللوجستي في الرياض، فقد شهدت القناة انخفاضًا في عدد السفن المارة من 25,887 سفينة في العام المالي الماضي إلى 20,148 سفينة هذا العام. إلى جانب ذلك، تراجعت الإيرادات من 9.4 مليار دولار إلى 7.2 مليار دولار، ما يزيد من حجم التحديات الاقتصادية. يُشار إلى أن الدولار يعادل حوالي 48.71 جنيهًا في البنوك المصرية، ما يُسهم في تفاقم الخسائر الاقتصادية في ظل هذه المرحلة الحساسة.
هذه المؤشرات تسلط الضوء على الضغوط المتزايدة التي تواجه قناة السويس نتيجة التوترات الجيوسياسية في المنطقة وتغيرات في حركة الملاحة العالمية، ما يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان استقرار إيرادات القناة وتعزيز قدرتها التنافسية على الصعيد الدولي.
وأكد الفريق ربيع أن التوترات في البحر الأحمر تُعتبر “أزمة غير مسبوقة” تمثل تحديًا أمنيًا كبيرًا له تداعيات سلبية على استدامة سلاسل الإمداد العالمية وتدفق البضائع. وأشار إلى أن مصر اتخذت عدة تدابير لتقليل تأثير التوترات، والحفاظ على سلاسة الملاحة بالقناة، من خلال فتح خطوط اتصال مباشرة مع خطوط الشحن والمشغلين، وتنظيم لقاءات دورية مع الهيئات الدولية ذات الصلة، إضافة إلى استحداث خدمات ملاحية جديدة مثل صيانة وإصلاح السفن، مكافحة التلوث، التزوّد بالوقود، إزالة المخلفات الصلبة، والإسعاف البحري، بجانب استثمارات تهدف إلى تحقيق عوائد اقتصادية أعلى.
وأطلقت هيئة قناة السويس حزمة تسهيلات لليخوت العابرة ضمن استراتيجياتها التسويقية، بما فيها تخفيضات تصل إلى 50% من رسوم العبور لتشجيع سياحة اليخوت، في خطوة تهدف إلى جذب المزيد من اليخوت السياحية وتعزيز الجاذبية السياحية للقناة.
في هذا السياق، أفاد الدكتور أحمد الشامي، خبير النقل البحري، في تصريحات خاصة لـ”السوق العربية”، أن تجنب شركات الشحن العالمية المرور من مضيق باب المندب إلى قناة السويس خلال الأشهر الأخيرة قد أسفر عن خسائر مالية جسيمة للقناة. وأوضح أن هذا التوجه نتج عن التوترات المستمرة في المنطقة، مما دفع الشركات للبحث عن مسارات بديلة لحماية سفنها وطاقمها. كما توقع الشامي أن يستمر تراجع موارد قناة السويس في المستقبل القريب، خصوصًا مع تفاقم التوترات الراهنة بالمنطقة.
وأشار الشامي إلى أن شركات الشحن العالمية تلجأ حاليًا إلى استخدام سفن أصغر لنقل البضائع، بينما تتجنب الناقلات العملاقة المرور عبر القناة وتفضل مسارات ملاحية أخرى، مثل طريق رأس الرجاء الصالح، رغم ما يترتب على ذلك من تكاليف إضافية. وأكد أن هذا الاتجاه سيستمر حتى مع وقف النزاعات، إذ من المحتمل أن تزيد شركات الشحن أسعار النقل التجاري لتعويض خسائرها، مما يضيف تحديات جديدة للملاحة العالمية.
وعلى الرغم من تصريح رئيس هيئة قناة السويس بأن أكثر من 6600 سفينة قد اختارت طريق رأس الرجاء الصالح بسبب التوترات، إلا أن الشامي أكد أن قناة السويس لا تزال الممر الملاحي الأهم والأكثر أمانًا مقارنة بالطرق الأخرى، مشيرًا إلى أن طريق رأس الرجاء الصالح يفتقر إلى الاستدامة والخدمات البحرية اللازمة.
يرى اللواء علي الحايس، الخبير في مجال النقل الدولي واستشاري سلاسل الإمداد، أنه من الضروري اتخاذ خطوات استراتيجية فعالة لمواجهة التحديات الكبيرة التي تؤثر سلبًا على إيرادات قناة السويس، التي تُعد واحدة من أهم الممرات الملاحية في العالم. ويؤكد صابر على أهمية تطبيق خطوتين رئيسيتين تسهمان في تقليل حجم الخسائر المالية التي تتعرض لها الهيئة، حيث يبرز النقطة الأولى التي تتعلق بتقديم فترة سماح موسعة للخطوط الملاحية. هذا الإجراء سيتيح لهذه الشركات فرصة أكبر لسداد رسوم الهيئة دون الضغوط المالية التي قد تواجهها في ظل الظروف الحالية، مما يعكس مرونة واستجابة لتحديات السوق.
أما الخطوة الثانية، فهي تتعلق بتقليل رسوم عبور السفن عبر القناة لفترة مؤقتة، وهي خطوة استباقية تهدف إلى تشجيع السفن على اختيار المرور عبر قناة السويس بدلاً من اللجوء إلى مسارات بديلة قد تكون أكثر تكلفة وأقل فعالية. وتعتبر هذه الإجراءات ضرورية للحفاظ على استدامة القناة وضمان استمرار تدفق الحركة التجارية عبرها.
وفي هذا السياق، يسلط الحايس الضوء على التوترات الحالية في منطقة البحر الأحمر، مشيرًا إلى أنها أدت إلى ظهور مشكلتين رئيسيتين. المشكلة الأولى تتعلق بزيادة المدة الزمنية اللازمة لرحلات الشحن، حيث تضطر السفن لتغيير مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من المرور عبر قناة السويس، وذلك نتيجة القلق من تعرضها لهجمات من الحوثيين في منطقة جنوب البحر الأحمر.