يتواصل ترويج الحبوب التي تُستعمل في الإجهاض أو “الإيقاف الإرادي للحمل” على مواقع التواصل الاجتماعي، فتتواصل، موازاةً مع ذلك، تحذيرات جمعيات حماية المستهلك، التي تعتبر هذا الترويج “مساساً خطيراً بالحياة”، على اعتبار أن منع هذه الحبوب في الصيدليات فتح الباب أمام تداولها عن “طريق التهريب”، ووضعها للبيع في صفحات “فيسبوكية” مختلفة وفي مجموعات داخل المنصات الاجتماعية.
هسبريس عاينت وجود إعلانات حديثة على منصة “فيسبوك” تضع هذه الأقراص، التي تستعمل طبيّا لعلاج أمراض أخرى، رهن إشارة النساء اللائي يحملن “أجنّة غير مرغوب فيها”، ناتجة عن علاقة جنسية خارج إطار الزواج أو عن اغتصاب… وفي الوقت ذاته تطلقُ تنظيمات نسائية دعوات متكررة “حتى تعود الأقراص إلى الصيدليات، لكونها حلا يعفي من اللجوء إلى الإجهاض باستعمال الوسائل التقليدية”، حسب وجهة نظرها.
“تهديد للصحة العامة”
بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، قال إن “انتشار الحبوب مقلق ويتطلب حلولاً جديدة من طرف السلطات الأمنية التي تتعقّب الباعة”، مشدداً على “ضرورة تحرك النيابة العامة من تلقاء ذاتها بناء على رصد هذه الإعلانات وتحريك البحث”، وزاد: “السلطات الأمنية تقوم بتتبع هذه الحسابات والتنسيق مع إدارة مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى الهويات الحقيقية لمن يروّجون هذه الأدوية”.
وضمن تصريحه لهسبريس أفاد الخراطي بأن “الفضاء الرّقمي يطرح صعوبةً من نوع مختلف؛ وهو ما يستدعي تدخلاً يتلاءم مع حجم التحديات التي يطرحها هذا الفضاء”، معتبراً أن “المتاجرين بهذه الحبوب يمارسون أفعالا جنائية”، وتابع: “أثير النقاش مراراً حول الموضوع لكن الرصد يكشف استمراره بشكل يطرح تساؤلات كثيرة حول نجاعة الأساليب والوسائل التي لجأنا إليها للتّصدي لهذه المشكلة التي تهدّد حياة العديد من النساء”.
وثمّن المتحدث عينه “الحملات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، التي تسقط ثلّة من هؤلاء المحتالين الذين يروجون أدوية ممنوعة حتى في الصيدليات المحلية بحكم استعمالها السيئ”، مشدداً على أن “اللّجوء إلى بيعها في منفذ افتراضي وبدون وصفة طبية يمكن أن يكون قاتلاً”، وأردف: “الأمر يشكل تهديداً لا غبار عليه للصحة العامة ولحياة المستهلكين؛ فالقرص يمكنُ أن يكون منتهي الصّلاحية، فيما المرأة الحامل لديها رغبة التخلص من الجنين وتضطرّ للجوء إليه”.
حماية مضاعفة
عبد الكريم الشافعي، رئيس الفيدرالية الجهوية لحقوق المستهلك بجهة سوس-ماسة، قال إن “القانون الجنائي واضح في وضعه السجن والغرامة لترويج حبوب مماثلة، بالنظر إلى تداعياتها الوخيمة على صحة المجتمع بشكل عام”، مضيفاً أن “الأقراص لا يمكن ترويجها إلا انطلاقاً من وصفة طبية، خصوصاً أنها لا تخصّ الإجهاض، وإنّما يتمّ وصفها لفائدة أمراض مزمنة أخرى؛ ويتمّ اللجوء إليها لأغراض خطيرة”.
الشافعي وضّح لهسبريس أن “حماية المستهلك تقتضي أن تتدخّل السلطات بشكل حازم لتطبيق القانون ضدّ من يتاجرون بصحة المغربيات، ويروجون مواد عن طريق التهريب، خصوصا القادمة من الجزائر”، مؤكداً على “أهمية التّشدد أيضاً في منع هذه المواد من الوصول إلى التراب الوطني؛ على أن تتكلّف لاحقاً النيابة العامة وسلطة الوصاية ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية في محاصرة الكميات المتواجدة في الوقت الحالي بالمغرب”.
وأشار المتحدث عينه إلى أن “ترويج هذه الأقراص صار يتم في مختلف المدن المغربية؛ وهذا مساس خطير بالقانون”، معتبراً في الختام أن “هذه الآفة صارت تختبر قدرتنا على توفير الحماية الكافية لمنظومتنا الصحية والدوائية، حتى لا نسمح برواج حبوب بالغة الحساسية، وفق منطوق الأطباء، على يد تجار مآسي النساء بالمملكة”.
تداعيات صحية
البروفيسور سعد أكومي، الأخصائي في طبّ النساء والتوليد، قال لهسبريس في وقت سابق إن “الأقراص التي تروّج بشكل غير قانوني تحمل خطرا مركبا”، موضحا أنها “تحمل أولاً خطراً على صحة الأم، لأنها لا يمكن أن تتناول أي دواء بدون مراقبة ومواكبة للطبيب الذي يتابع حالتها قبل مرحلة الحمل؛ وثانيا هناك فصول واضحة في القانون الجنائي تعاقب من ساهم في عملية الإجهاض أو من مارسها”.
أكومي ذكر أيضا أن “الأقراص يمكن اللجوء إليها من طرف الطبيب الأخصائي حصريا عندما يكون الحمل توقف بصفة مبكرة عند المرأة، ويتم التخوف من أي تلوث؛ لكن هذا يتم تحت مراقبة طبية صارمة”، وزاد: “يُمنع تعاطيها بشكل غير منصوح به؛ فإذا نجت واحدة لن تنجو أخريات، وهذا أمر خطير”.
واستنكر الأخصائي في طبّ النساء والتّوليد “استمرار هذا الترويج رغم التضييق عليه من طرف المصالح الأمنية، محملا المسؤولية لـ”من يعمل على تداول المعلومة، وكذا بعض المشتغلين في المحيط الطّبي الذين يرغبون في الحصول على مداخيل إضافية دون ضوابط أخلاقيّة”، ومعتبراً أن “القضاء على هذه الظاهرة يحتاج تقوية الرقابة وتفعيل الضمير المهني والحذر من طرف النساء”.