تراهن الحكومات على عمليات تحلية المياه للإسهام في حل مشكلة نقص المياه العذبة التي تعانيها العديد من المناطق حول العالم، خاصة في البلدان النامية والفقيرة.
وعادة ما تستهلك عمليات التحلية كميات كبيرة من الكهرباء المولدة من الوقود الأحفوري في الغالب؛ ما دفع العلماء إلى البحث في كيفية الاستفادة من الطاقة المتجددة لاستعمالها في هذا المجال، خاصة في المناطق النائية والصحراوية البعيدة عن شبكات الكهرباء المركزية.
وتركّز أبحاث عديدة على استعمال الطاقة الشمسية في تحلية المياه، لكنها تواجه مشكلات توفير التيار بصورة مستمرة؛ بسبب التوليد المتقلب والمتقطع للمصادر المتجددة حسب ظروف الطقس.
وفي أحدث تطورات البحث العلمي في هذا المجال، ابتكر باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي (MIT) نظامًا تقنيًا يستطيع التكيف مع التوليد المتقلب للطاقة الشمسية في أثناء عمليات تحلية المياه، بحسب تفاصيل الابتكار الذي اطّلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).
جهاز تحلية المياه بالطاقة الشمسية
يتميّز الجهاز الجديد بقدرته على تحلية المياه بالطاقة الشمسية، دون الحاجة إلى مصدر كهربائي متصل بالشبكة، أو بطاريات احتياطية لتخزين الطاقة، لقدرته على التكيف تلقائيًا مع أي اختلاف مفاجئ في ضوء الشمس على مدار اليوم.
ويختلف هذا الجهاز عن التقنيات التقليدية المستعملة في تحلية المياه بالطاقة الشمسية، إذ تحتاج إلى كهرباء ثابتة أو بطاريات تخزين لضمان استمرار التيار، ومن ثم استدامة توفير المياه للمناطق المعتمدة على هذه التقنيات.
وأجرى الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي تجارب لاستعمال هذا الجهاز في تحلية المياه الجوفية المالحة في بعض المناطق الصحراوية النائية، واستطاعوا إنتاج 5 آلاف لتر من الماء النقي يوميًا.
كما نجح الفريق في موازنة عمليات التحلية حسب تقلبات أشعة الشمس، عبر ضبط الجهاز لزيادة سرعة عمليات التحلية وقت معدلات السطوع العالية، وخفضها في حالات السطوع الأقل أو مرور السحب العابرة .
وطُبِّقت التجربة في المناطق المعتمدة على الآبار في ولاية نيو مكسيكو الأميركية لمدة 6 أشهر، مع تجربة الجهاز في تحلية أنواع مياه مختلفة، وظروف مناخية متباينة من حيث الطقس وأشعة الشمس.
الدول الحبيسة جغرافيًا
استُغلت التقنية المبتكرة الطاقة الشمسية بصورة مباشرة وفاعلة لإنتاج المياه من خلال التغيير المستمر لاستهلاك الكهرباء بالتزامن مع التغيرات في أشعة الشمس، بحسب أستاذ الهندسة الميكانيكية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عاموس وينتر.
وقال وينتر إن القدرة على إنتاج مياه الشرب باستعمال مصادر الطاقة المتجددة، دون الحاجة إلى تخزين البطاريات، كانت تمثّل تحديًا كبيرًا لفريق البحث، وقد نجحوا في التغلب عليه.
ويرى الباحثون أن المياه الجوفية قليلة الملوحة تشكّل مصدرًا ضخمًا غير مستغل لمياه الشرب المحتمل تحليتها وتنقيتها بالجهاز الجديد، لا سيما مع نقص احتياطيات المياه العذبة في أجزاء كثيرة من العالم.
ويمكن لهذا الجهاز أن يوفّر مياه الشرب التي تشتد الحاجة إليها وبتكلفة منخفضة، خاصة للمجتمعات الحبيسة جغرافيًا التي لا تُطلّ على أي سواحل، ويتعذّر وصولها إلى مياه البحر، خاصة إذا كانت شبكة الكهرباء لديها محدودة، بحسب تقرير نشره موقع كلين تكنيكا المتخصص (CleanTechnica).
ويعيش غالبية سكان العالم بعيدًا عن السواحل بدرجة كافية، بحيث لا يمكن أن تصل إليهم تحلية مياه البحر أبدًا، وبالتالي فإنهم يعتمدون بصورة كبيرة على تحلية المياه الجوفية، خاصة في مجتمعات المناطق النائية ذات الدخل المنخفض.
يقول طالب الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، جوناثان بيسيت: "لسوء الحظ، أصبحت هذه المياه الجوفية أكثر ملوحة بسبب تغير المناخ، لكن يمكن للتقنية الجديدة أن توفر مياهًا نظيفة مستدامة، وبأسعار معقولة للمجتمعات النائية حول العالم".
ويخطط المهندسون لإجراء مزيد من الاختبارات وتوسيع نطاق نظام تحلية المياه لتزويد مجتمعات أكبر -أو حتى مقاطعات بأكملها- بمياه شرب منخفضة التكلفة وأكثر استدامة تعتمد على أشعة الشمس، بحسب الورقة البحثية المنشورة في مجلة نيتشر ووتر (Nature Water) في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
تحلية المياه الجوفية ضرورية
يشير العلماء إلى أن المياه الجوفية تشكّل 98% من مصادر المياه العذبة، و50% من مياه الشرب في العالم، ويبلغ الاعتماد على المياه الجوفية أعلى مستوياته بالمناطق الريفية وفي الاقتصادات الناشئة، بحسب بحث حديث تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وترجع زيادة ملوحة المياه الجوفية إلى الجفاف وتغير المناخ، وتشكّل مصدر قلق متزايدًا، لا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، كما تُعد في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، المصدر الوحيد للشرب رغم انتشار الملوحة بما يتجاوز الحدود المسموح بها.
وتمثّل مياه الشرب النظيفة مشكلة متنامية تتفاقم بسبب التغيرات في مناخ الأرض، لا سيما مع تزايد الفيضانات، وارتفاع درجات الحرارة، وزيادة التصحّر في أجزاء أخرى من العالم.
وعادة ما يؤدي نقص المياه إلى زيادة مخاطر المجاعات والهجرة والنزوح؛ ما يزيد من مخاطر ظاهرة (لاجئي المناخ)؛ ما يضفي -بالتالي- أهمية عالمية على ابتكار معهد ماساتشوستس؛ لما قد يمثّله من أمل للسكان المحرومين من المياه، خاصة في المناطق النائية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..