قالت سابينا هينبرج، خبيرة أمريكية بمعهد واشنطن، إن “قيام ترامب بتفعيل قراره الاعتراف بمغربية الصحراء من خلال فتح قنصلية بالداخلة أمر غير مضمون”.
وأضافت هينبرج، في حوار مع هسبريس، أن ترامب يحتمل أن ينتهج سياسة جديدة في العلاقات بين أمريكا والجزائر قد تحمل الكثير من المفاجئات مقارنة بفترة إدارة بايدن.
وأوردت المتحدثة عينها، التي خطّت العديد من التقارير عن الأوضاع في دول شمال إفريقيا، أن عودة ترامب يمكن أن يكون لها أثر إيجابي بالنسبة للمغرب على مستوى الأمم المتحدة في ما يتعلق بملف الصحراء.
وبيّنت الأستاذة المحاضرة في كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية بواشنطن ألا أحد يعرف قرارات ترامب المستقبلية حول الوضع في شمال إفريقيا، مشددة على أنها “ستكون منطقة غير ذات أولوية في سياسته الخارجية”.
نص الحوار:
عاد ترامب إلى البيت الأبيض من جديد، هل هذا إيجابي بالنسبة لدولة مثل المغرب؟
أعتقد أن التصور في المغرب هو أن عودة ترامب يمكن أن تعطي دفعة إيجابية للعلاقات المغربية الأمريكية، خاصة بسبب الاعتراف الذي قدمه ترامب في نهاية إدارته، بتأييده مطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء. وخلال فترة إدارة بايدن لم يتم التراجع عن هذا الموقف أو تعديله، لكنه أيضًا لم يُدعم بشكل واضح.
وبدلاً من ذلك حاولت إدارة بايدن التأكيد على دعمها الوساطة الأممية. لكن من المهم أيضًا ملاحظة أن العلاقات بين الولايات المتحدة والمغرب تحت إدارة بايدن يمكن وصفها بأنها كانت قوية بالفعل، فقد استمرت مجالات مهمة من التعاون، مثل مناورات “الأسد الإفريقي” العسكرية.
كما استمرت الحوارات الإستراتيجية بين البلدين، لذا، نعم، حتى لو كان هناك أمل في أن تعطي إدارة ترامب الثانية دفعة إلا أن هناك بالفعل الكثير من العوامل الداعمة لهذه العلاقات القوية.
وماذا عن العلاقات بين المغرب والجزائر؟.
ما يمكنني تأكيده هو أنه في ظل إدارة بايدن كانت هناك سياسة تهدف بشكل أساسي إلى الانخراط بنشاط مع الجزائر. أعتقد أن هذا حدث بشكل أكبر مقارنةً بإدارة ترامب السابقة، وربما كان مدفوعًا جزئيًا بفكرة وجود فرصة بسبب العلاقات المتوترة نسبيًا بين الجزائر وروسيا. أعني أن العلاقة بين الجزائر وروسيا تعود إلى زمن طويل، وكانت قوية، ولكن إدارة بايدن، كما أعتقد، رأت حقًا فرصة للاستفادة من بعض التحديات، مثل ما حدث بعد غزو أوكرانيا وما شابه ذلك.
ولا أستبعد أن تتبنى إدارة ترامب الثانية نهجًا مختلفًا للتعامل مع الجزائر، فقط لأن ترامب، في اعتقادي، قد يكون أكثر استعدادًا لمواجهة روسيا بشكل مباشر. ولكن، من ناحية أخرى كانت هناك مفاجئات في إدارة ترامب الأولى، وأعتقد أنه قد تكون هناك مفاجئات أخرى، وستكون مرحبًا بها إذا تمكن ترامب من المساعدة في نوع من تخفيف حدة التوتر (الوساطة) بين المغرب والجزائر.
قبل رحيل ترامب اعترف بمغربية الصحراء، وحرصت إدارة بايدن على عدم التراجع عن هذا القرار، لكنها لم تفعّل الأمر من خلال فتح قنصلية أمريكية بالداخلة، هل يقوم ترامب بتنزيل قراره على أرض الواقع؟
كما قلت سابقا، جاء اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء في نهاية إدارة ترامب، وقررت إدارة بايدن عدم التراجع عن هذا القرار، لكنها في الوقت نفسه لم تتخذ أي خطوات لدعمه أو المضي فيه. وبالتالي لم يتحقق الهدف المتمثل في فتح قنصلية بالداخلة.
أعتقد أنه من الصعب القول إن إدارة ترامب الثانية ستضمن فتح قنصلية هناك؛ من الممكن، لكن يمكن أن يكون ذلك وسيلة في يده لتمييز نفسه عن إدارة بايدن، وأيضًا للإشارة إلى استمرارية الأمور التي بدأها في فترته الأولى.
من ناحية أخرى أعتقد أن ترامب ستكون لديه ربما أولويات أخرى في السياسة الخارجية، وربما سيحتفظ بخطوة فتح القنصلية في الصحراء للحصول على تنازلات أخرى من المغرب. لكن لدي حدس بأن هناك بعض المفاجئات.
كان الجميع يتساءل عن أسباب تراجع إدارة بايدن عن تنزيل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، ومن جهة أخرى عدم المساس به.
لقد حاولت إدارة بايدن بالفعل التركيز على دعم جهود الأمم المتحدة بما يتماشى مع الإدارات السابقة قبل إدارة ترامب.
لذا أعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي. أردت فقط أن أشير إلى النقطة السابقة، أي إنني لن أكون متفاجئة إذا حدث شيء غير متوقع تحت إدارة ترامب الجديدة؛ على سبيل المثال كان أحد مستشاريه للأمن القومي، وهو جون بولتون، يؤيد حل بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في شمال إفريقيا، لكن بهدف تعزيز حق تقرير المصير للصحراويين. لذا، حتى وإن كانت هناك أمور حدثت في نهاية إدارة ترامب الأولى أعتقد، كما تعلم، أننا لا نستطيع معرفة ما سيحدث. لا يمكننا معرفة ماذا تحت رأس ترامب، لكن الجميع علم أنه عاد.
(مقاطعا).. كان البعض يتحدث عن رغبة بايدن في الحفاظ على علاقات جيدة مع الجزائر، وهنا السؤال كيف سيقوم ترامب بالتوفيق في التعامل مع المغرب والجزائر؟
أعتقد مجددًا أن حدسي هو أنه سيحاول بشدة التميز عن نهج إدارة بايدن. ولكن من ناحية أخرى لن تكون هذه المنطقة أولوية للإدارة الجديدة، ولا العلاقات بين المغرب والجزائر.
هل من فرص جديدة يمكن أن تجعل العلاقات مع المغرب أولوية بالنسبة لترامب؟
إن التصور حاليا في المغرب هو أن عودة ترامب ستساعد في تقدّم الأجندة المغربية للحصول على نوع من الاعتراف الدولي الواسع بمطالبة المغرب بالسيادة؛ لأن ترامب لا يؤمن تقريبًا بالأمم المتحدة أو المؤسسات متعددة الأطراف، وبالتالي من المحتمل أن يقلل من دورها في حل نزاع الصحراء. وهذا قد يكون أمرا قد يتمكن المغرب من الاستفادة منه أو تحويله إلى فرصة، على ما أعتقد طبعا.
ولكن، كما تعلم، لا أعتقد أيضًا أنه سيكون من الصحيح القول إن إدارة بايدن فاتتها الفرص في المغرب. أعتقد أن إدارة بايدن أدركت الفرص في المغرب، وأنها أدركت، كما تعلم، الدور الإستراتيجي الذي يلعبه المغرب بوصفه داعما رئيسيا للأمن في إفريقيا. ما يعني أن الولايات المتحدة تقدم تدريبًا أمنيًا ومعدات وأشياء أخرى للمغرب، ومن جهته يساعد في تدريب ودعم القوات الأمنية في أماكن أخرى في القارة.
لذا أعتقد بالتأكيد أن العلاقات الأمريكية المغربية يمكن أن تسهم في السلام والأمن في القارة. لكن العائق الرئيسي هو، كما أشرت، العلاقات السيئة بين المغرب والجزائر. وكما تعلم يضع كلا البلدين الكثير من الموارد في تلك المنافسة، التي كان يمكن بدلاً من ذلك استخدامها لضمان الأمن في مناطق أخرى من القارة.
حسنا، كيف يرى ترامب إفريقيا بعد هذه السنوات كلها قبل العودة للرئاسة من جديد؟
لا أعرف التفاصيل الدقيقة حول هذا الموضوع. لكن أعتقد أنه يرى إفريقيا بشكل رئيسي من خلال عدسة المنافسة الإستراتيجية مع روسيا والصين أكثر من بناء علاقات مع القارة من أجل مصالحها الخاصة؛ فبدلاً من أن يعتقد في العلاقات مع إفريقيا لذاتها قد يراها أكثر كأداة في سياق التنافس العالمي، مثلما يولي اهتمامًا خاصًا لمنطقة البحر الأسود في المنافسة مع روسيا، ويمكن أن ينطبق المنطق نفسه على إفريقيا، حيث قد تكون جزءًا من صراع أكبر مع القوى العالمية الأخرى مثل الصين.
وفي الشرق الأوسط هل عودته ستنهي الحرب في قطاع غزة الفلسطيني ولبنان؟
بخلاصة لا يمكن التنبؤ بذلك حقا. لكن قادة الحروب وأولهم الرئيس الإسرائيلي بينيامين نتنياهو يرغبون حقا في أن ينجح ترامب في وقف الصراع.
في الختام هل تشكل عودة ترامب إلى الرئاسة من جديد حدثا مهما بالنسبة لدول الجنوب؟
كما هو الحال مع النقطة المتعلقة بما تعنيه عودة ترامب بالنسبة لإفريقيا أو كيف ستنظر رئاسته إلى القارة حدسي هو أنه سيكون حدثا مهمًا فقط لتلك الدول التي يرى ترامب بها فوائد مباشرة واضحة للولايات المتحدة.
وأقول في الأخير إن عقودا من القيادة الأمريكية للعالم اعترفت بأن تنمية الدول الأقل تطورًا أمر مهم من أجل الاستقرار والأمن الخاص بالولايات المتحدة، لكنني لا أعتقد أن هذه هي العدسة الأساسية التي سيعتمدها ترامب في التعامل مع دول مثل المغرب والجزائر وجيرانهما.