قال ماريس هاريمان، مصور فوتوغرافي عالمي ضيف “لقاءات” ضمن مهرجان أجيال السينمائي 2024، إن المواجهات التي عرفتها أمستردام بين مغاربة هولندا ومهاجرين من جاليات عربية ومسلمة من جهة، وإسرائيليين من جهة أخرى، “تعكس الانحسار الذي صارت تعيشه الحقيقة”، معتبرا أن “الصور التي شاهدناها مختلفة تماما عما روجته وسائل الإعلام التقليدية التي صارت تتصرف بشكل واضح في صناعة الحقيقة”.
هاريمان، مؤسس منصة “ما نراه”، اتفق مع ما ورد في سؤال طرحته هسبريس حول سبب تواصل العداء ضد المهاجرين المغاربة بمملكة الأراضي المنخفضة رغم أن الصور التي اطلع عليها العالم تبين “وجود استفزاز قبل انطلاق المواجهات”، مبديا رفضه المبدئي لما حدث، كاشفا تواصله مع أصدقائه من اليهود والمسلمين مباشرة بعد الاشتباكات وتوصله إلى “وجود تضارب شديد بين ما تنقله وسائل الإعلام وما يحدث في الواقع”.
الأحداث التي عاشتها العاصمة الهولندية أمستردام، بداية نونبر، بعد الشجار الذي نشب على هامش المباراة التي جمعت نادي ماكابي تل أبيب الإسرائيلي بمضيفه أياكس ضمن الدوري الأوروبي، دفعت المتحدث ليقول إن هيمنة سردية (الغرب) التي أحدثت شرخا في الخطاب الصحافي في العالم، “جعلت الاهتمام ينصب على أمرين: من يُخطِرنا بما يحدث؟ ثم من يتوفر على الميكرو والآلة الأكثر انتشارا؟”.
ولفت أول مصور أسود البشرة يلتقط صورة غلاف لمجلة “فوغ” البريطانية البارزة، إلى وجود “ضغوط كبيرة لتوجيه الرواية الصحافية في العالم إلى جهة معينة”، في إشارة إلى محاولة اعتبار ما جرى “معاداة للسامية”، ومن ثم تضخيم خطابات اليمين المتطرف في أوروبا وأقطار أخرى ضد المهاجرين المغاربة وغيرهم، واستدرك: “هذا النوع من التغطيات، لم نكن لنعثر عليه قبل 10 سنوات مثلا. كانت الصحافة ستقول: هذا ما حدث في أمستردام، دون أي توجيه”.
وزاد مفصلا في جوابه لهسبريس: “مثل هذه الأحداث صارت تثبت أهمية أن نكف عن الاعتماد على حفنة من المنابر الصحافية لتقول لنا ما يجب أن نعتقد به في قضية تعرف تطاحنا في الروايات”، مشددا على وجود مؤسسات إعلامية مازال خطها التحريري يعترض على إدخال الحقيقة في متاهات لا تتحملها بطبيعتها، وقال: “نحن بدورنا نمر بمرحلة حاسمة لكي نخرج من جلابيب تحتلنا دون أن نشعر، حتى من ناحية مصادر أخبارنا”.
وفي إشارة إلى أنه لو قالت الصحافة الغربية الحقيقة “دون تزييف” لما تعرض مغاربة هولندا للعنصرية، قال النيجيري المقيم بلندن: “علينا أن نتعلم قول الحقيقة فقط. بيد أننا نرصد كيف يتم التلاعب بها اليوم. لنقارن مثلا بين تفجير مستشفى بأكورانيا وبفلسطين، سنتبيّن كيف أن التناول الإعلامي سيختلف رغم أن الفعل هو نفسه”. وواصل: “من جهتنا كعرب ومسلمين، نحتاج أيضا أن نخرج من يقيننا في السرديات المتداولة أمامنا”.
وشدد المتحدث الذي ازدادت شعبيته في العالم بعد تصوير الاحتجاجات التي قامت بها حركة “حياة السود مهمة” (Black Lives Matter) في لندن، على أن قوته أنه متحرر من هذا اللغط الذي تعرفه الحقيقة، مبرزا أنه لا يصور لأي صحيفة أو وكالة حتى لا يسيطر أحد على كلمته وحرية رأيه، وأنه يفضل أن يظل شاهدا أمينا على ما يراه، “وهذا أمر أساسي في عالم ممتلئ بالمغالطات والأخبار الزائفة”.
وقال المصور الذي لا تفارق الآلة الفوتوغرافية عنقه: “يوجد الكثير من الناس اليوم يخشون الحقيقة، لكن مهمتي ألا أخاف. أفضل شيء يمكن أن أشعر به هو يقظة الضمير”، وأضاف: “لا يمكننا أن نغض الطرف عما يحصل في العالم والمخاطر التي تواجه النساء والأطفال في غزة وأماكن أخرى. المشكل أن حفنة من الصحف التقليدية تتعمد تجاهل ما يحدث، وأنا محظوظ أنني لا أنتمي إلى هذا النوع من الإعلام وما أصوره يصل كل الناس”.
للإشارة، فإن ميسان هاريمان يعتبر مهرجان أجيال “أعماله الفوتوغرافية تعليقا بصريا على الروح الإنسانية، والصمود، والنضال من أجل العدالة الاجتماعية”. كما وصفته صحيفة “إيفينينغ ستاندرد” بأنه “المصور الأكثر حديثا عنه في عصرنا”، وتتنوع صوره لتشمل موضوع النشاط والتعليقات الثقافية وتصوير المشاهير، الأمر الذي يجعله مدافعا قويا عن التنوع والشمول في الفن.